قضايا ودراسات

حدود التحالف بين روسيا والصين

الحسين الزاوي

يتطلب الحديث عن التحالف بين روسيا والصين الكثير من التريث والحذر؛ فرغم الشراكة الاستراتيجية، التي تربط بين البلدين، إلا أن العلاقات التاريخية بينهما لم تكن دائماً على أحسن ما يرام؛ وذلك منذ مرحلة الحرب الباردة؛ بسبب الاختلافات الجيوسياسية والجيواستراتيجية القائمة بينهما، فالمصالح بين الجارين الكبيرين المتنافسين تتعارض إلى حد بعيد فيما يتعلق بالكثير من الملفات الإقليمية في وسط وشرق آسيا، كما أن علاقتهما بالهند الجارة الأخرى الصاعدة لا تسير في الاتجاه نفسه؛ فهي علاقات راسخة وتقليدية بالنسبة لروسيا، وباردة وأحياناً متوترة بالنسبة للصين، الأمر الذي يدفع المراقبين إلى القول، إن التقارب الكبير والملفت للنظر بينهما هو أشبه ما يكون بزواج المصلحة، فرضته ظروف قاهرة ما بين الدب الروسي والتنين الصيني، ويعود في جانب كبير منه إلى السياسات العدائية للرئيس دونالد ترامب تجاههما على المستويين السياسي والاقتصادي.
لقد بدأت العقوبات الأمريكية تدفع بشكل واضح ولا لبس فيه إلى تأسيس محور مضاد لواشنطن ولسياساتها الهجومية؛ لأن العقوبات الاقتصادية الأخيرة، التي فرضتها إدارة ترامب على الصين، نسفت كل خيارات بكين التقليدية؛ القائمة على تفضيل مبدأ الحياد، وفرضت عليها بالتالي خياراً وحيداً، يجعلها مضطرة إلى التقارب أكثر مع رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين، الذي يقود نموذجاً جيوسياسياً، يتعارض تماماً مع الرؤية الغربية المهيمنة على المسرح الدولي، بكل ما تحمله تلك الهيمنة من مقاربات ورهانات على مستوى الملفات السياسية والاقتصادية، التي تشغل الساحة العالمية.
وتأتي أهمية هذا التحالف الجديد – القديم في مرحلة تاريخية يكاد يفقد فيها الغرب بوصلته ومعاييره الحضارية، منذ أن بدأت الخلافات تدبّ في صفوفه، لاسيما بعد أن رفع ترامب شعار «أمريكا أولاً»، وشرع على إثرها في فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على حلفائه الغربيين داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تجلى هذا التقارب الاستراتيجي ما بين موسكو وبكين؛ من خلال توطيد التعاون الاقتصادي بينهما، وصولاً إلى تعزيز التعاون العسكري بين العاصمتين، وبخاصة بعد مشاركة الصين في مناورة «فوستوك» العسكرية الأخيرة.
ويستند هذا التحالف الجديد على تقاسم غير مسبوق للأدوار بين موسكو وبكين؛ حيث تعمل الصين على توطيد العلاقات مع القوى الصاعدة في آسيا، وتسعى إلى أن تكون سيدة القارة بلا منازع، بينما تمارس موسكو بقيادة بوتين دور الفزاعة بالنسبة للغرب؛ من خلال استعراض عضلاتها في شرق أوروبا وسوريا، وفي شرق البحر المتوسط، وبالتالي فإنه وبموازاة استفادة الصين من الانشغال الأمريكي بمسألة التدخل الروسي المفترض في الانتخابات الأمريكية، فإنها تظل إلى جانب ذلك ممسكة بقيادة هذا التحالف «الأوراسي»؛ من أجل خدمة مصالحها؛ لأن موسكو تعتمد في مواجهة الحصار والعقوبات الغربية، على ما تقدمه لها القارة الآسيوية من حلول اقتصادية؛ انطلاقاً من البوابة الصينية.
ويمكن القول إن الدور المحوري للصين في هذا التحالف لا يخفى على واشنطن، التي صرّح وزير خارجيتها مؤخراً، بأن الصين هي أكثر خطورة على المدى البعيد بالنسبة للولايات المتحدة من روسيا، فالنخب السياسية الحاكمة في واشنطن، تعلم جيداً أن الاقتصاد الروسي يعاني صعوبات هيكلية ومزمنة، ويمكن إحكام الحصار عليها بسهولة على المديين المتوسط والبعيد، بينما سيظل التنين الصيني، يمثل التحدي الحقيقي والأكبر بالنسبة لواشنطن؛ وبالتالي فإن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ستكون الحرب الأكثر خطورة وشراسة في القرن الواحد والعشرين.
وقد شكل فشل اللقاء، الذي جمع الرئيسين الأمريكي والروسي في شهر يوليو/تموز الماضي في هلسنكي، سبباً إضافياً وحاسماً في قرار موسكو، القيام بشكل جدي وغير مسبوق بدعم تحالفها مع بكين؛ لذلك فقد صرّح أحد السياسيين الروس، بأن العلاقة بين روسيا والصين وصلت إلى مرحلة «التفاهم» الجدي، الذي يعني قيام تنسيق عالي المستوى على الصعيد السياسي، وفسح المجال بشكل واسع أمام الشركات الصينية في قطاع الطاقة الروسي، وفتح أبواب التكنولوجيا العسكرية الروسية أمام الجيش الصيني، إضافة إلى الموافقة على فتح الحدود الجغرافية لروسيا مع أوروبا أمام الصين؛ من أجل توفير منافذ مباشرة لها نحو القارة الأوروبية.
نستطيع أن نستنتج في الأخير، أنه وبالرغم من التقارب الكبير، الذي يحدث الآن بين الصين وروسيا، فإن الكثير من المحللين يفضلون الحديث عن شراكة مؤقتة، وليس عن تحالف استراتيجي حقيقي بينهما، لعدة أسباب من أبرزها؛ كون جفاء روسيا مع جيرانها الأوروبيين سيكون مؤقتاً، من منطلق أن ما يربط بينهما من الناحية التاريخية والثقافية أكثر مما يفرّق بينهما، وفضلاً عن ذلك فإن الطرفين الروسي والأوروبي، وتحديداً أوروبا الغربية بقيادة ألمانيا، بحاجة إلى إعادة الدفء إلى علاقاتهما؛ من أجل مواجهة الابتزاز الأمريكي لأوروبا من جهة، ولمواجهة الطموحات الإمبراطورية للتنين الصيني من جهة أخرى، بالشكل الذي تظل معه أوروبا من المحيط الأطلسي غرباً إلى جبال الأورال شرقاً، رمزاً وقاطرة للحضارة الإنسانية المعاصرة.

hzaoui63@yahoo.fr

زر الذهاب إلى الأعلى