حرب المعلومات وسلاحها السياسي والعسكري
عاطف الغمري
بعد أن دخل العالم ميادين حرب الجيل الرابع، أخذ الاهتمام يتجه بأقصى درجة إلى استخدام التطور في مجال الفضاء الإلكتروني، في دعم هذه الحرب، وما يحتويه هذا المجال من وفرة بلا حدود في المعلومات. وبصفة خاصة ما يتصل بالمساحة التي بدأ يشغلها الجانب العسكري في هذا المجال، وإن كانت القدرات العسكرية ما زالت في مراحلها المبكرة، إلا أن القوى الكبرى صاحبة الريادة في مجال الفضاء الإلكتروني، تعتبره سلاحاً سياسياً فائق التأثير.
إن حرب الجيل الرابع التي دشن العلماء والخبراء العسكريون الأمريكيون، مفهومها عام 1989، هي التي قلّصت من مفهوم القتال عن طريق الحشود العسكرية، والصدام المسلح المباشر، لتستبدله بنوع غير مباشر من الحروب، التي تستهدف العقل الجمعي لمجتمع الدولة المستهدفة، بضرب معنويات الشعب، والتشكيك فيه وفي قياداته، وإشعال الفوضى داخل الدولة، لزعزعة استقرارها، باستخدام وكلاء محليين، وبحيث لا تتورط القوى الخارجية في هذه الحرب مباشرة. ولهذا توجّهت أنظار خبراء الاستراتيجية إلى مجال حروب الفضاء، ليكون داعماً بوسائله لهذا النوع من الحروب الحديثة.
يقول الأدميرال مايك روجرز، قائد القيادة الأمريكية لشؤون تكنولوجيا الفضاء، إن كل نزاع في العالم له الآن بعدٌ فضائيٌّ، بما يتصل به من أنظمة التسلح، وسلاسل الدعم اللوجستية، والحصول على المعلومات، واتخاذ القرار، وأنظمة القيادة والرقابة، وفيما يتعلق بالاستخدامات العسكرية لهذا المجال، فإن الهدف هو تأمين الاستفادة التكتيكية منه في ميدان القتال، وأساساً في ميدان الاشتباكات المسلحة. لكن التطوّر الذي حدث بابتداع مفهوم حرب الجيل الرابع، قد أضاف إلى ذلك اهتماماً خاصاً بالدائرة التي يشملها ميدان المواجهة فيما يسمى بحروب الفضاء.
وهناك اتفاق عام على أن حرب الفضاء لا بد أن تدور في مجال فضائي، بالرغم من أن دولاً مثل الصين، وروسيا، قد طورتا مبدأ يمكن أن تستخدم بموجبه بعض آليات تكنولوجيا الفضاء، كأداة لردع الخصم، خاصة ما يتعلق بالتشويش على أجهزة الاتصالات، واقتحام ساحته الداخلية، وحرب الحصول على المعلومات.
وهناك عدد من صنّاع القرار في الولايات المتحدة، منهم ريتشارد كلارك المستشار السابق للرئيس الأمريكي، وليون بانيتا وزير الدفاع الأسبق، قد تحدثوا بوضوح عن احتمالات الاستحواذ مستقبلاً على قدرات تدميرية، عن طريق هجمات تستخدم تكنولوجيا الفضاء، ويمكن أن تترتب عليها خسائر في الأرواح، وأضرار مادية.
وقد أدى ذلك إلى تساؤل المختصين بالشؤون الخارجية، عما إذا كان الهجوم بتكنولوجيا الفضاء، يجعل منها نوعاً من أسلحة الحروب.
وكما يقول الكاتب الأمريكي ينجيل إنكستر، إن الحكومة الأمريكية، بناء على توافق عام من جانب مجموعة من الخبراء الحكوميين بالأمم المتحدة، قد أقرت في عام 2012، بأن قواعد القانون الدولي السارية حالياً، تنطبق على ما يجري في الفضاء. أي أنها لا تترك ساحته لكي تنشط فيها القوى المتقدمة في هذا المجال، دون مراعاة للقواعد التي تحكم الحروب التقليدية. وارتبط بهذا قيام الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، بتطوير مصطلحات خاصة بحروب وأسلحة الفضاء، لكي تكون بمثابة معايير تحكم هذا المجال، بما لا يوجد خطر تنجم عنه خسائر بشرية أو مادية.
ولا ينفصل عن ذلك ما يعرف الآن بحرب المعلومات، والتي تتنافس فيها القوى الكبرى، ومنذ الأيام الأولى لانتشار الإنترنت، أعطت روسيا أولوية لمبدأ أسلحة المعلومات، وما تشكله من تهديد لمجالها المعلوماتي، وذلك بعد أن أخذت الولايات المتحدة أيضاً تشعر أن هناك جهوداً من جانب كل منهما، لكي تقتحم الساحة المعلوماتية للأخرى.
وما زالت روسيا والصين تنظران لدولتيهما، باعتبارهما عرضة لأي استخدام، من الولايات المتحدة لهذا السلاح، الذي حققت في مجاله تقدماً كبيراً، وبالتالي يمكنها أن تجعل منه ميدان معركة، وأيضاً تضاعف اهتمام الولايات المتحدة به بعد الضجة – التي ما زالت مثارة – عن اقتحام روسيا للساحة الداخلية الأمريكية عن طريق الإنترنت، وآليات التكنولوجيا الحديثة، أثناء انتخابات الرئاسة 2016.
وإن كان هذا المجال لم يعرف حتى الآن، إعلان حرب، طبقاً للمفهوم المعروف عن الحرب كصدام معلن بين دولتين أو أكثر.
وبالرغم من مضي أربعين عاماً على ظهور ميدان تكنولوجيا الفضاء، فإنه يشهد حالياً جهوداً بحثية لتطوير استخداماته في مجال الأمن القومي، خاصة مجال الحصول على المعلومات، وكذلك حجبها عن أي محاولة من دولة أخرى للنفاذ إلى خزائنها.