مقالات عامة

حرب جوفاء بين الكوريتين

مفتاح شعيب

مثل مسرحية خالية من التشويق، يستمر الوضع في شبه الجزيرة الكورية في التأرجح بين مؤشرات التصعيد وبوادر الانفراج. وبعدما كان الجميع يسمع التهديدات المدمرة من الشمال، أصبح للجنوب لسان من نار أيضاً، فقد توعد وزير خارجية سيؤول بمحو الجارة الشمالية من الخريطة، إن تجرأت على استخدام أسلحة نووية ضد بلاده، أو الولايات المتحدة.
مثل هذا القول ليس جديداً، فقد سبقه إليه مسؤولون أمريكيون، منهم الرئيس دونالد ترامب، بينما يظل التطبيق أشبه بالمستحيل لأسباب عدة، منها أن نظام بيونج يانج لن يتجرأ على مغامرة من هذا القبيل، لأنه يعرف النتيجة. كما أن سيؤول وحلفاءها يعرفون السياق الذي يمكن أن تنزلق إليه الأحداث إذا نشبت حرب، لأن حلفاء كوريا الشمالية، وأساساً الصين وروسيا، لن تبقيا متفرجتين، وهما الشريكتان التاريخيتان في الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي، وهما الكفيلتان ببقاء النظام الشيوعي. ومن هذا المنطلق لن يسمح للحرب أن تقع، أما التهديدات المتبادلة فستظل مستمرة ما بقيت الأزمة، لأنها أقصى تعبير عن انسداد الآفاق. فتحت التراشق بالتهديدات ثم الدخول في التسعينات في مفاوضات سلام لم تسفر عن نتيجة حتى نسفها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، عندما تسلم البيت الأبيض عام 2001.
التصعيد المفاجئ جاء بعد عودة التواصل المباشر والتقاء وفدين من الكوريتين وجهاً لوجه هذا الشهر في قرية «بانمونجوم» بالمنطقة المنزوعة السلاح. وحقق اللقاء انفراجة نسبية، ودفع بكوريا الشمالية إلى الموافقة على مشاركة رياضييها في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية. وبعد التصعيد الجديد يمكن أن ينهار هذا التقارب الرمزي، لا سيما بعد أن ألغت بيونج يانج حفلاً ثقافياً مشتركاً كان من المقرر إقامته في الرابع من فبراير/ شباط، وعللت الإلغاء بسبب ما اعتبرته قيام وسائل الإعلام في سيؤول بالحض على المشاعر «المهينة».
أزمة تعقبها تهدئة، وحروب جوفاء لا غير، تقريباً هذه هي القاعدة التي تتحكم في العلاقة بين الكوريتين، وخلف كل واحدة يقف طابور من الحلفاء. ومما يتبين من التاريخ الطويل للصراع أن إنهاء هذا الوضع يتجاوز قدرة بيونج يانج وسيؤول مجتمعتين، مثلما أن الأسباب التي شكلت هذين البلدين، وهما من أمة واحدة، خارجة عن نطاقهما. وإذا كانت الوثائق تؤكد أن الحدود بين البلدين رسمتها الجيوش الأمريكية والسوفييتية بعد توقف المعارك ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، فإن تلك الخطوط مازالت قائمة بالشروط القديمة. وعندما اندلع النزاع بين النظامين في بيونج يانج وسيؤول تطور في أشهر قليلة إلى مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، من جهة، والصين وروسيا، من جهة أخرى. وحين أدركت هذه القوى أن الحرب لن تفضي إلى هزيمة أي طرف تم الاتفاق على إنشاء دولتين، وما زالت الأطراف التي تحاربت قبل أكثر من نصف قرن مستعدة للحرب مرة أخرى، إن اقتضى الأمر. فالصين فقدت أكثر من نصف مليون جندي في الحرب الكورية، وروسيا أيضاً خسرت العديد من جنرالاتها وجنودها. كما تكبدت الولايات المتحدة عشرات آلاف الجنود، وفقدت الكثير من هيبتها، واضطرت إلى إنهاء القتال راضية بنصف النصر. وهذه القناعة مازالت راسخة، وهي الأمر المتاح حالياً، ولذلك فلا جديد في شبه الجزيرة الكورية غير التهديد والوعيد، أما الحرب فالكل يعرف نتائجها وويلاتها، ولذلك تظل مستبعدة.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى