قضايا ودراسات

حروب الآثار !

خيري منصور

يصر كاتب عربي شغوف بالآثار، وكان يتمنى أن يكون حارساً لها، أن يحمل في جيبه حيثما رحل قائمة بما يقارب الألف قطعة أثرية سُرقت أو هرّبت في الأسواق السوداء. ومعظم تلك القطع تجاوز عمرها الألف عام، وهناك اعتراف رسمي وقانوني بأصوله العربية، والعاصمة التي هاجر منها رغماً عنه. ويبدو أن إحساس العربي بسطو لم يتوقف على مجمل كينونته، خلق لديه فوبيا خصوصاً حين يرى آثار بلاده في ساحات وميادين عواصم العالم، وأبرز مثال هو المسلة الفرعونية في باريس، والتي قالت السيدة أم كلثوم إنها أجمل وأبهى مشهد في باريس.
وحكاية الآثار العربية الإسلامية، التي تنتشر عبر العالم طويلة، ولعب الجهل دوراً في تسهيل التهريب والاتجار، وعلى سبيل المثال يرى الكاتب الراحل جبرا إبراهيم جبرا، أن العراقيين في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، كانوا يسخرون من اهتمام الأجانب بالآثار، خصوصاً حين يلجأ مهربو الآثار إلى الماء؛ كي يسهل لهم نقل الآثار. وفي السنوات الأخيرة، بعد انفجارات اجتماعية في العالم العربي، أصبح من السهل على الهواة والتجار والمهربين على نطاق كوني أن يدرجوا الآثار في مجالاتهم التجارية، التي تكون لها أحياناً الأولوية، ومن أخطر إفرازات هذه التجارة السوداء، الجرائم؛ بحيث لم تعد أية مغامرة للاتجار بالآثار تمر بدون دم، وتجاوزت المخدرات وحروبها الاستخباراتية في مطالع هذا القرن.
وما كان لهذا كله أن يحدث، وفي عز الظهيرة لو كانت ثقافة آثارية تدفع الناس إلى إدراك الكوارث الناجمة عن تجارة الآثار، وتزويرها، وإسقاط البعدين الوطني والأخلاقي عن أهم ما أنجزت الأمم تاريخياً، وحين تصل اللامبالاة حدّ الاستخفاف حتى بعظام الأجداد، وكل ما تؤتمن عليه الأرض؛ فإن الخطر يكون قد شمل كل ما تبقى !

khairi_mansour@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى