حفظ السلام في الفضاء الإلكتروني
هيلجي جانيك *
الصراع باللجوء إلى الحرب السيبرانية، يؤثر في كل دولة، ولذا فإن من مصلحة الجميع أن تتوفر لهم القدرة على استعادة السلام والأمن في أعقاب مثل تلك الحرب.
الحرب السيبرانية، موجودة بيننا الآن، ابتداءً من التدخل في الانتخابات، وانتهاءً بتسريب أسلحة سيبرانية من مخزون وطني. وكما هي الحال مع معظم التطورات في الحرب، فإن العالم غير مستعدّ إلى حدٍّ كبير. ويطرح حفظ السلام السيبراني تحديات كبيرة، سوف نستكشفها في بحثنا.
إن كل مسرح للحرب الآن، يتضمن حرباً سيبرانية. وقد استعمِلت في الهجمات الموجهة لشلّ قدرات الخصم… ويمكن استغلالها أيضاً في الحرب التقليدية من خلال إحداث تداخل إلكتروني مع المعلومات الاستخبارية وأنظمة الاتصالات.
ومع قلة ما تسترشد به الدول، وضآلة الخبرة التي تستند إليها، يضطر العديد منها إلى التعلّم بعد أن يدفع الثمن. في سياق الحرب، يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم أثر التكنولوجيات الجديدة. وما على المرء إلّا أن يتأمل مثال الألغام الأرضية لمعرفة السبب.
فبينما كانت تعتبر في السابق سلاحاً مشروعاً لإخماد حركة العدوّ، تتفق معظم الدول الآن على أن الألغام الأرضية أسلحة عشوائية وغير متناسبة، وتسبب المعاناة للمدنيين بعد وقت طويل من انتهاء الصراع.
ويمكن أن تكون الحرب السيبرانية تنطوي على عواقب غير معروفة تجعل زعماء العالم في المستقبل يتفقون على الحظر لأسباب مقززة مماثلة في أعقاب اكتشافها.
وهنالك، مع ذلك، جهود تُبذل لسدّ الثغرات في المعرفة. وقد حاول باحثون، من أمثال زميلي، مايكل روبنسون، تشخيص صفات الحرب السيبرانية لفهم كيف يمكن إجراؤها بفاعلية وعلى نحو أخلاقي. ومن بين هذه الجهود، وضع قوانين حرب سيبرانية للسيطرة على الأسلحة السيبرانية وتقييدها.
وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها، مع تقديم دليل تالين الإرشادي – الذي نُشر أول مرة عام 2013 – تحليلاً شاملاً لكيفية تطبيق القانون الدولي القائم، على الفضاء الإلكتروني.
ولكن، بينما تركز نسبة كبيرة من البحوث على كيفية إجراء الحرب السيبرانية، فإن النزر اليسير من الأبحاث، يدور حول استعادة السلام في أعقاب الصراع عبر الإنترنت بين الدول القومية.
واعتماد الدولة على البنية التحتية الحساسة، يجعل الحاجة إلى فهم الضرر الذي يمكن أن تحدثه الحرب السيبرانية، محلّ تركيز شديد. حيث يمكن أن تصاب أنظمة الكمبيوتر التي تشغل الخدمات الأساسية في المستشفيات، ومحطات الطاقة النووية، ومحطات معالجة المياه، ببرامج حاسوبية ضارة متطورة، تقاوم الإزالة وتطيل المعاناة المدنية – مثلما تستمر الألغام الأرضية في البقاء فترة طويلة بعد انتهاء الصراع. والأضرار المادية للأسلحة السيبرانية تجعل حفظ السلام السيبراني، عامل تمكين أساسي للمساعدة على تحقيق السلام الدائم.
فبعد الصراع التقليدي، تجري التدخلات التي ترمي إلى استعادة السلام والأمن على الساحة الدولية. والأمم المتحدة بعرباتها البيضاء وخوذاتها الزرقاء، هي منظمة حفظ السلام المعترف به على أوسع نطاق. وهي ذات تاريخ طويل من حفظ السلام في أنحاء العالم، حيث تطورت لتتناسب مع الطبيعة المتغيرة للحرب من صراع بين الدول، إلى صراع داخل الدولة الواحدة على مرّ السنين.
ومع نشوء الحرب السيبرانية، سوف تحتاج قوات حفظ السلام بصورة متزايدة، إلى العمل في هذا النطاق. ولكن، هل الأمم المتحدة والمنظمات المماثلة مستعدة لهذا الهجوم المتوقع، أم أنها ستعاني تكرار الإخفاقات الماضية، بعد أن وقعت في شراك التغيرات في طبيعة الصراع؟. وقد انهارت محادثات الأمم المتحدة المطولة حول الحرب السيبرانية في العام الماضي؛ بسبب عدم إمكانية التوصل إلى توافق وسط الشكوك التي ذكِر أنها تعكس صورة حقبة الحرب الباردة. وبغض النظر عن ذلك، لا بُدّ من طرح أسئلة حول استراتيجية الأمم المتحدة بشأن استعدادها لمعالجة التهديدات السيبرانية.
*أستاذ علوم الحاسوب، ورئيس قسم علوم الحاسب الآلي والمعلوماتية في جامعة دي مونتفورْت (البريطانية).
موقع: ذي كنفرسيشن