حكمة الحيوان
خيري منصور
هل لدى الحيوان والطير وحتى الحشرات ما يُمكن أن يتعلّم منه الإنسان؟ قد يبدو هذا السؤال مستهجناً على الأقل بالنسبة لمن اقتصر تعريفهم للحيوان على أنه كائن لا يفكر ولا يحلم ولا يتخيل. لكن الفلاسفة منذ أقدم العصور استوقفتهم هذه الكائنات طويلاً. ومنهم من كتب عنها أو استنطقها كما فعل ابن المقفع والعطار ومنهم من اقتنى عن عوالمها الغريبة آلاف الكتب كما فعل عباس العقاد، وبالطبع لا يمكن لأحد أن يعِظ الناس بأن يأخذوا الحكمة من أفواه الحيوانات، رغم أن هناك من قالوا إن أحد مصادر الحكمة هو أفواه المجانين!
ومن يقرأ عن السلاحف وبيوتها التي هي قبورها أيضاً وكيف تبيض، أو عن سمك السلمون الذي يقطع آلاف الأميال عائداً إلى مسقط رأسه كي يبيض، أو عن الفيلة التي حين يدنو أجلها تذهب بنفسها إلى المقابر بلا جنازات أو وداع، قد يعيد النظر بكل ما سمعه عن عالم الحيوان، ويكفي أن نشاهد فيلماً تسجيلياً عن طائر البطريق في القطب المتجمد وكيف يكافح للبقاء ضد الانقراض الذي يهدده كي تصيبنا الدهشة من كل ما يصدر عن هذه الكائنات فهي تحزن وتفرح وتتألم لكنها لا تملك أداة للتعبير عن كل ذلك، رغم أن بعضها يصدر أصواتاً قابلة للترجمة كالاستغاثة أو طلب الطعام والظمأ!
وما يتم تداوله في أيامنا من فيديوهات عن مشاهد حيوانية مدهشة يصيبنا بالقشعريرة، كالنمر الذي احتضن غزالاً ولد للتو وحاول رعايته، أو القط الذي أجرى تنفساً صناعياً لقط آخر حين تعرض لحادث دهس، أو الكلب الذي ألقى بنفسه في البحر كي ينقذ صاحبه الذي أوشك على الغرق!
فأية مفارقة تلك؟ وهل كان الراحل ممدوح عدوان قد أدرك ذلك مبكراً في كتاب حمل عنوان «حيونة الإنسان»، ولو عاش حتى هذه الأيام لأصدر كتاباً مكملاً لكتابه بعنوان «أنسنة الحيوان»!
لقد دافع الحيوان كما الطير والحشرة عن سلالاتهم ولم يكن جنون البقر وإنفلونزا الخنازير والطيور وحتى الطاعون والكوليرا إلا محاولات للثأر من البشر!