حوارية ابنة حواء
عبد اللطيف الزبيدي
سألها القلم: معذرة، أجّلت تهنئتك بيومك العالمي إلى اليوم، لأننا سنتطرق إلى شؤون إسلامية، غالباً ما أخص بها الجمعة. لكن ما مشكلتك مع لغتنا، أو ما خطبها معك، إنها معضلة في طريق تحرير المرأة لا يحلها حلاّل؟ مليون أنثى يضاف إليهن ابن آدم واحد، ولو كان في المهد صبيّاً، فيقال هم.
قالت: تلك جائزة ترضية من لدن اللغة، لأنك إذا ذكرت العربية فكأنك تعنيني. من سالف الدهر نسبوا اللغة إليّ. ولو قلت العربي وأنت تقصد اللسان أو اللغة، لخانك البيان ولم تفصح، ولا السامعون أدركوا مقصودك. أنا العربية وأنا اللغة الأمّ. ثقافياً، أعظم المؤلفات تسمى أمهات الكتب، لا آباءها، لا أبا لك. دينياً، الجنة تحت أقدام الأمهات لا الآباء. قرآنياً، هل لك أن تأتي بشيء غير أمّ الكتاب؟ ثم، هل للرجال سورة مقابل سورة «النساء»؟ بل تأمّل الأصل في الخلق: «الذي خلقكم من نفس واحدة»(النساء 1)، «وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة»(الأنعام 98)، أليست النفس مؤنثة، بالرغم من عظمة المساواة في الخلق، التي قابلها أبناء آدم بالتنكر لحقوق بنات حواء؟ قال: ها أنت نوّرتني يا خير زائرةٍ. لكن قضايا تحرير المرأة أبعد تصوّراً حتى من مجرد حصرها في المقارنة التفاضلية بين الجاهلية والإسلام. إن مظاهر السلوك الذكورية الأبوية الغابرة، لاتزال فاعلة مؤثرة إلى يومنا هذا في الحياة الاجتماعية والسياسية، بل إنها وجدت طوال العصور الإسلامية، من يطوّع لها النص بتفسيرات وتأويلات غير خافية المقاصد، فأصبحت بمرور الزمان وكأنها في صميم الدين. في الكثير من مناطق باكستان وأفغانستان، التي لم تكن لها صلة بالجاهلية العربية، يسمون المرأة «عورت». عملياً، هم يتجاهلون الحديث: «العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، العالم العربي ليس براء من هذه السلوكيات البعيدة من الدين والديمقراطية.
قالت: لعلك تشير إلى الجذور البيولوجية الوراثية في المخلوقات، التي يستعصي إصلاحها وتعديلها بآية سماوية أو مادة قانون وضعي. هيمنة الذكور على الإناث كامنة في الجينات. لكن تسلط «سي السيد» على أمينة يتطلب دساتير وقوانين تفرض الانفراج الاجتماعي. المرأة تريد التحرر من القيود غير المبررة التي تشل نصف المجتمع، ولكنها بالقدر نفسه تريد تحرير الرجل من طرائق تفكيره التي تجاوزها العصر. قال: هذه حقاً «أمّ» المصائب والنوائب والدواهي، ونخشى أن تندلع بها «أمّ» المعارك، فنقع في «أمّ» الكوارث.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: يجب تحرير اللغة من الفوقية العنصرية، فجمع غير العاقل يعامل كالمؤنث المفرد: الظباء جاعت، الفتاة جاءت.
abuzzabaed@gmail.com