مقالات عامة

حوارية تعريب كتابة المصاحف

عبد اللطيف الزبيدي

قال القلم: متى نزل القرآن؟ قلت: ما هذا السؤال الغريب؟ قبل خمسة عشر قرناً. قال: فلماذا تُطبع المصاحف حتى يومنا هذا على نحو رسمها وإملائها في النسخ اليدوية الأولى، التي كتبت بالأبجدية الآراميّة (22 حرفاً). أضافوا بضعة أحرف والتنقيط. كيف يستطيع غير العارف قراءة المصحف، لكونه يرى أمام ناظره كتابة مختلفة؟ قلت: حذار اتهام القوم بأنهم ليسوا أهل بحث وتحقيق، يستنسخون المصاحف كما جاءت، فلمّا حل عصر الطباعة ظلوا على النهج القديم. التراث لديهم سلطة لا تقبل الرأي. ثم تصوّر الكارثة الاقتصاديّة الماليّة: سيحتاج العالم الإسلاميّ إلى عدد النجم والحصى والتراب من الأموال لطباعة مصاحف بالرسم والإملاء العربيين. كم عدد المسلمين الذين يعلمون أن قرآنهم مكتوب بالطريقة الآراميّة؟ سينصبون المشنقة للمتجرّئ على التغيير.
قال: إن الذين يتولّون تعليم القرآن هم أنفسهم لا يعرفون لماذا تكتب «افتراه» (إن هذا إلاّ إفك افتراه…«الفرقان» 4) برسم الألف الأخيرة ياء بغير نقطتين فوق وسطها ألف صغيرة. من أين له أن يقول للتلميذ أو الطالب إن الكتابة الآرامية لا يوجد فيها مدّ بالألف في وسط الكلمات؟ وهبه عرف وأوضح، ألا يجيب المتعجب: ولماذا علينا أن نتعلم الآرامية لكي نستطيع قراءة القرآن؟ كذلك ترسم «هواه». في السورة نفسها (الآية 28): «يا ويلتى ليتنى…» تكتب «يويلتى»، فوق وسط الياء الأولى ألف صغيرة.
قلت: الطريف أن المسألة أبعد من ذلك؛ إذ إن لها أثراً في الكتابة لدى الأشقاء المصريين، الذين يرسمون الياء الأخيرة في المفردات بغير نقطتين، فلا تعرف المستوى من المستوي، ولا الندى من الندي إلاّ بالسياق والمعنى. الأرجح أن الأمر تخريجة فقهية للاقتداء برسم المصاحف: «ويلتى..ليتنى» بياء غير منقوطة. هذا كثير: الذى، بين يدىْ رحمته إلخ. كما أنهم يرسمون همزة مسؤول على النبرة (تعبير «على الكرسي» طريف). ترسم بين السين والواو في الهواء: «كان على ربّك وعداً مسئولاً» (انظر المصحف، «الفرقان» 16).
قال: السبب واضح، وهو انعدام الياء الأخيرة والهمزة في الآرامية. ولا يوجد فيها التشديد، أي الحرف المضاعف، لهذا نرى في المصحف: «وهو الذي جعل لكم الّيل لباساً» (الفرقان 47) بلام واحدة مشدّدة. مسكين التلميذ، يقول له المعلّم في درس العربية إن الليل بلامين، وفي درس القرآن يرى الليل في المصحف بلام واحدة. بعد سنوات سيردد مع أبي العلاء: «يا ليت شعري ما الصحيح؟».
لزوم ما يلزم: النتيجة المنهجية: لا دخل لكل ذلك في عربية القرآن، ولا شأن للفقه أو غيره في ذلك. ضرورة التغيير هي الحل.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى