حوارية سوء فهم الدين
عبد اللطيف الزبيدي
قلت للقلم: أوّل مرة أراك تحدّد العنوان أوّلاً. اليوم الجمعة، والناس أيديهم إلى السماء، لعل معجزة تثبت وجود أعمال صالحات. قال: كلنا يؤمن بأن الدين النصيحة، فإذا كان فهم الدين غير صائب، كانت النصائح مصيبة. قلت: المشكلة طريفة، فأنت لا تستطيع الاحتكام في فهم الدين إلى علماء الدين، فهم أنفسهم يفسرونه بما يخدم أنظمتهم، ولا دليل على استقلال في الرأي. لو جمعناهم كممثلين للبلدان العربية لارتكبنا خطيئة إنشاء جامعة أخرى، على غرار ذلك تكون المنظمة التي تمثل العالم الإسلاميّ.
قال: ثمة مفارقة غريبة، يجب طرحها بلا حرج، وهي أن الذين يريدون صادقين تخليص الدين من الغرق في تعقيدات العمل السياسيّ، حفاظاً على نقاء العقيدة، يتجاهلون أن أنظمة طبائع الاستبداد، هي التي تصرّ على وجود علماء دين في خدمتها، يتقنون تأويل النصوص، وتطويع الأحاديث، وتوليد ما يلائم من موروث الفقه. الأنظمة التي أهملت شعوبها، ولم تدرك معنى كرامة الأوطان، وتركت التخلف يعشش ويفرخ في بلدانها، ترى حاجتها ماسّة إلى من يُقنع الناس بأن الله راضٍ عمّا يعملون، وأن الجنان مفتوحة للسائرين في الركاب تابعين بلا كيف ولماذا، وأن المختلفين فئات ضالة خارجة عن الدين وعليه.
قلت: هذه هي الطامّة الكبرى، لكن حمداً لله على أن هؤلاء ليسوا الأغلبية. في العالم العربيّ متفقهون في الدين اختاروا التي هي أحسن، إن عثروا على من يستمع القول ويتبع أحسنه. ثمة من يترفع عن النونين، النفخ والنفاق. آخرون يخشون عواقب الاصطدام بالأبواب العالية التي ترى نفسها ممثلة الحق المطلق والعدل المنزّه ورمز الكمال، فالأمرُ تمرّد على السماء قبل أن يكون عصياناً على الأرض. هكذا يكون الفرد الصالح هو من لا يسأل النهوض بالاقتصاد وتطوير التعليم ودخول العصر من أوسع أبوابه، والارتقاء بالمجتمع في جميع مناحي الحياة.
قال: أنا متفائل؛ لأن التنمية حتمية. لن يظل العالم العربيّ مشرذماً. التنمية الشاملة ستغير التعليم والعلوم والإعلام. لن يكون للتطرف مكان. سيقتنع الجميع بأن الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، هي أسس الإيمان الصحيح، القائم على معرفة عظمة الخلق والخالق. لن تحتاج الأنظمة العادلة إلى من يزيّن سوء الأفعال؛ لأن الأعمال ستراقب إدارتها المؤسسات. سنرى حينئذ علماء الدين ذوي الفكر الذي لا تعارض فيه بين الدين والعلم، وسيغيرون الخطاب الدينيّ، وسيتركون السياسة لمؤسسات الدولة التي تمثل إرادة الشعوب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاحتياطية: التفاؤل جيد، لكن نزار معه حق: «الحب ليس رواية شرقيةً.. بختامها يتزوج الأبطالُ».
abuzzabaed@gmail.com