قضايا ودراسات

حول أزمة «إسرائيل» القائمة

علي جرادات

على خلفية قبوله «وقف إطلاق النار» مع قطاع غزة، دخل رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، في أزمة مع حلفائه الداعين لتوسيع العدوان على القطاع، ما جعل خيار حلّ حكومته، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، قاب قوسين أو أدنى، حيث استقال وزير الحرب، ليبرمان وانسحب حزبه، («إسرائيل» بيتنا)، من الائتلاف الحاكم، بينما هدد كل من وزير التربية، «نفتالي بينت»، ووزير المالية، «موشيه كحلون»، بأن يحذوا، (كوزيريْن ورئيسيْن لحزبيْن)، حذو «ليبرمان» وحزبه، لكنهما تراجعا، بعدما قدم لهما نتنياهو وعوداً، تتعلق، (حسبما أعلن «بينت»)، بعزمه العمل على استعادة ما يُسمى قدرة «إسرائيل» على الردع، ذلك علماً أن الإقرار بتآكل هذه القدرة بات أمراً مألوفاً لدى قادة الاحتلال، بدءاً ب«ليبرمان» الذي اتهم نتنياهو، ( ب«الخضوع للمنظمات الإرهابية»، واتهم قادة جيشه ب«الخضوع للمستوى السياسي الذي لم يتخذ القرارات اللازمة لاستعادة قدرة الردع»)، مروراً ب«نفتالي بينت» الذي أعلن أن («قدرة الردع باتت بيد المنظمات الإرهابية في قطاع غزة، لا بيد الجيش «الإسرائيلي»، وأن «الجيش لم يعد قادراً على تحقيق الانتصار منذ حرب لبنان الثانية عام 2006»)، وصولاً إلى «مفوض شكاوى الجنود» المنتهية ولايته، الجنرال يتسحاك بريك، الذي توجه إلى «أعضاء لجنة الخارجية والأمن» التابعة ل«الكنيست» محذراً «من أن قادة الجيش لا يقولون لهم الحقيقة بشأن جهوزية الجيش للحرب».
هذا يعني أن نتنياهو نجح، مؤقتاً على الأقل، في منع سقوط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة لا يريدها، لكن أزمة الاحتلال القائمة لم تنتهِ، ليس، فقط، لأن حكومة المذكور باتت تحظى، فقط، بتأييد 61 من أصل 120 عضو «كنيست»، ولأن بقاءها مرهون بتنفيذ الوعود التي قدمها لحزبين أساسيين فيها، بل، أيضاً، وأساساً، لأن الأزمة، هنا، هي ليست أزمة حكومة، ولا أزمة حزب، بل أزمة جوهرها تراجع ثقة «الإسرائيليين» بنخبهم القيادية، بدءاً بالحكومة القائمة، ورئيسها، والأحزاب المشاركة فيها، مروراً بما يُسمى أحزاب «المعارضة»، وصولاً، (وهنا الأهم)، إلى قيادة جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية.
الكلام أعلاه مهم لبناء سياسة مواجهة مع دولة الاحتلال،«إسرائيل»، قائمة على قراءة دقيقة لعوامل قوتها، بعيداً عن التهويل، وكأنها تمتلك قوة بلا حدود، وعن الاستخفاف، وكأنها باتت «نمراً من ورق»، آخذين بالحسبان أن أزمتها القائمة ستدفع، على الأرجح، حكومتها القائمة، أو، ربما، حكومتها القادمة، إلى شن عدوان إبادة وتدمير «رابع» على قطاع غزة، أو أنها في طور الإعداد لعدوان مبيَّت على جبهة أخرى. وتجدر الإشارة، هنا، إلى تصريحات أطلقها ثلاثة أعضاء فيما يسمى المجلس الوزاري المُصغر لشؤون الأمن، (الكابينت)، يوم الأربعاء الماضي، في مؤتمر نظمته صحيفة «جروزالم بوست»، أولهم وزير الأمن الداخلي، غلعاد أردان الذي قال: «إن «إسرائيل» أقرب من أي وقت سابق لإعادة احتلال قطاع غزة والسيطرة عليه»، وثانيهم وزير البناء والإسكان، يؤاف غالانت، الذي قال: إن: «أيام يحيى السنوار محدودة، ولن ينهي حياته في بيت مسنين»، وثالثهم وزير المواصلات والاستخبارات، «يسرائيل كاتس» الذي قال: «نحن قريبون من حرب لا مفر منها في غزة. وعلينا ضرب «حماس» بشدة من أجل اجتثاث «الإرهاب»، ولا يوجد أي حل سياسي للوضع في القطاع، ولا يوجد أي احتمال لتسوية مستقرة مع غزة. وعلى «إسرائيل» توجيه ضربة ل«حماس» من أجل إعادة الردع المتآكل».
وإذا أضفنا ما قطعه نتنياهو على نفسه ل«نفتالي بينت»، و «موشي كحلون» من وعدٍ، قوامه عزمه العمل على استعادة قدرة جيشه على الردع، فضلاً عما أطلقه من «خطاب حربي»، (حسب وسائل إعلام الاحتلال)، يوم تسلمه منصب وزير الحرب، خلفاً ل«ليبرمان»، فلنقل: قادة الاحتلال، وأولهم نتنياهو، ليسوا في وارد التسليم بتآكل قدرة كيانهم على الردع، ذلك لأنهم، أساساً، ليسوا في وارد قبول تسوية سياسية للصراع، كيف لا؟ وهم، وفي مقدمتهم نتنياهو، لا يكفون عن إطلاق التصريحات السياسية، وتكريس المزيد من الوقائع الميدانية على الأرض، التي تنفي كل إمكانية لتسوية سياسية، تلبي، ولو أدنى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، هذا ناهيك عن أنهم ماضون، في السياسة والميدان، في تطبيقات مؤامرة «صفقة القرن»، وقاعدتها «قانون أساس القومية» اليهودي، لتصفية القضية الفلسطينية، بالمعنى الوجودي للكلمة.

ali-jaradat@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى