قضايا ودراسات

حول القرار الأمريكي بشأن «أونروا»

علي جرادات

في ظل حرب شاملة ومكشوفة تشنها إدارة الولايات المتحدة، بقيادة رئيسها ترامب، ضد الشعب الفلسطيني، قضية وحقوقاً ورواية، تحلُّ، يوم الخميس القادم، الذكرى السنوية ال25 لتوقيع اتفاق «أوسلو». نحن إزاء حرب أمريكية -«إسرائيلية»، سياسية وميدانية، أنهت، إلى غير رجعة، ربع قرنٍ من المفاوضات الثنائية المباشرة، برعاية أمريكية، بين حكومات الاحتلال والقيادة الرسمية الفلسطينية، وحولتها إلى مفاوضات، واتفاقات بشأن القضية الفلسطينية، بين حكومة الاحتلال، والرئيس الأمريكي وفريقه لشؤون المنطقة و«السلام»، بقيادة مستشاره وصهره كوشنر.
حربٌ تحمل اسم «صفقة القرن» ل«إنهاء الصراع»، و«إحلال السلام»، بدأت بالقرار الأمريكي بشأن القدس، و«نقل السفارة»؛ وانتقلت إلى انتقاد كل مَن يرى في التهام وتهويد ما تبقى من أراضي الضفة استيطاناً؛ ثم إلى محاولة تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة، وفصل الأخيرة عن قلبها، القدس، أملاً في أن تتولى مصر المسؤولية عن القطاع المحاصر المُدمر الجائع، أو أن تتحول «السلطة» فيه إلى مسمى «دولة فلسطينية»، وفي أن تتولى الأردن المسؤولية عما تبقى من الضفة، أو أن تنشأ كونفدرالية بين «السلطة» فيها والأردن.
أما الضربة القاضية في مؤامرة «صفقة القرن»، فوقف مساهمة واشنطن في ميزانية وكالة هيئة الأمم، «الأونروا»، لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، ومطالبة هيئة الأمم بإنهاء تفويضها لهذه الوكالة، وبإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني لرفع صفة اللجوء عن أنسال «اللاجئين الأصليين»، وإحالة «تأهيل»، أي توطين، مَن لا يزال على قيد الحياة من الأخيرين، إما إلى هيئة اللاجئين الأممية، أو إلى الدول التي تستضيفهم. أما عددهم، فلا يتجاوز، حسب حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية، 10% من مجموع 5.3 مليون لاجئ، حسب الإحصاءات الرسمية لهيئة الأمم، علماً أن إحصاءات الأخيرة لا تشمل سوى أولئك اللاجئين الذين شُردوا عام 48، ويتواجدون في كل من الضفة وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، أي لا تشمل الذين يتواجدون في بقية بلدان الشتات، ولا «المُهجرين» داخل الأراضي المحتلة عام 48. وهنا، تجدر الإشارة إلى:
*أولاً، إذا كان القرار الأمريكي بشأن القدس فاتحة تطبيقات مؤامرة «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، بالمعنى الوجودي للكلمة، وهو كذلك بامتياز، فإن القرار الأمريكي بشأن تمويل وكالة «الأونروا»، هو مقدمة لإقفالها، وصولاً إلى شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شُردوا منها، وفق القرار الدولي 194.
*ثانياً، تتغطى الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال في هجومهما على وكالة «الأونروا»، بواقعة أن الأخيرة تشكلت، بقرار من الجمعية العامة لهيئة الأمم، عام 49، كإجراء مؤقت، مع تناسي أن القرار ينص على أن إنهاء التفويض الممنوح لها مشروط بتطبيق القرار 194 المتعلق ب«عودة وتعويض اللاجئين»، الأمر الذي لم تلتزم «دولة» الاحتلال بتنفيذه. يعني، أن مطلب «عودة اللاجئين» هو مطلب فلسطيني وأممي. لكن عجز هيئة الأمم عن إلزام «إسرائيل» المارقة بتنفيذ هذا القرار، وكل القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع، عموماً، هو ما يُشجّع الإدارة الأمريكية على تطوير حربها المسعورة على وكالة «الأونروا».
*ثالثاً، نعم، عزلت قرارات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية السياسة الأمريكية. لكن، تطبيقاتها على الأرض مستمرة، بينما يكتفي أقطاب السياسة الدولية الآخرين، ومثلهما الدول العربية، بإصدار بيانات الاستنكار والشجب والتنديد العاجزة عن كبح جماح الحرب الأمريكية المفتوحة على الشعب الفلسطيني، منذ 19 شهراً، هي عمر إدارة الرئيس ترامب.
*رابعاً، لكن، رغم كل ما تقدم، فلنقل: شاء مَن شاء وأبى مَن أبى يبقى اللاجئون جوهر القضية والصراع، والعنصر الأساسي في الثورة المعاصرة ومشروعها الوطني التحرري، الذي ستنبري، تقدم الأمر أم تأخر، قيادة وطنية جديدة لحمل أعبائه، وانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس. ف«صفقة القرن» مجرد محاولة تضاف إلى عشرات محاولات تصفية قضية فلسطين.

ali-jaradat@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى