مقالات عامة

حين تكون ذاكرة من تحب

سوسن دهنيم

في العشق، يقتسم العشاق الذاكرة مع من يحبون، يتشاركون خلالها اللحظات والحكايا كما الحياة. يمرون بكل الأحداث والصور والمواقف والأماكن معاً، فتتكون لكل منهم ذاكرة جديدة مشتركة مع الحبيب، وقاموس مشترك، وعادات وهوايات مشتركة.
وكلما طال بهم العمر مع من يحبون، ازدادت هذه الذاكرة وأثريت وازدانت لتكون مصدر ابتسامة وضحكة وراحة بال كلما استحضراها معاً.
أحياناً تسعى بعض الأعمال الأدبية والأفلام السينمائية والدرامية إلى التركيز على هذه الذاكرة، التي من خلال استذكارها يتجاوز بعض الأحبة الكثير من المشكلات وسوء التفاهم، لتكون بمثابة الوسيط الذي لا ترد وساطته.
فيلم «الباحثة عن الترفيه» الذي مثل فيه بطلاه هيلين ميرين، ودونالد ساذرلاند زوجين عاشقين، واحد من هذه الأفلام التي تركز على هذه الذاكرة وأهميتها في إسعاد الأزواج والأحبة؛ فقد شاخت وهرمت ذاكرة الزوج الذي يعاني من الزهايمر، لتكون زوجته ذاكرته الحية التي تحاول استنهاض ما غفا لديه من خلال استذكار بعض المواقف له تارة وعن طريق عرض صور قديمة تارة أخرى، خلال آخر رحلة لهما في شاحنتهما التي أسمياها «الباحثة عن الترفيه» قاصدين منزل أرنست همنجواي الذي شغف به الزوج وحفظ أعماله عن ظهر قلب، ليستعيدا ذكرياتهما ومغامراتهما السابقة.
خلال رحلتهما هذه يشير الفيلم إلى استمرارية الحب والرعاية واهتمام كل منهما بالآخر طوال زواجهما الذي استمر 60 عاماً بكل الحب والتفاهم. ويتبين للمشاهد عدم مقدرتهما على العيش بعيدين عن بعضهما ولو لفترة قصيرة. ويتبين للمشاهد أن الزوجة أيضاً لا تتمتع بكامل صحتها، إذ تعاني من السرطان وتأخذ علاجاً له، وأنها غادرت مدينتها بعد أن قرر ولدها وابنتها أن عليها أن تخضع لعلاج لا فائدة مرجوة منه، وبالرغم من كل ذاك إلا أنها ما زالت متشبثة بالحياة وترغب في الاستفادة من وقتها بصحبة زوجها.
يبيّن الفيلم أن غيرة المرأة لا يمكن أن تخمد طالما كانت تعشق شريكها حتى ولو تقدمت في العمر وكان زوجها هرماً بلا ذاكرة، وأنها مهما كانت متعبة من مسؤولياتها تجاهه إلا أنها تستمر في العطاء حباً وسعادة، وإن غلبها التعب وقادها للتذمر للحظة. كما يشير إلى أن السعادة تكمن أحياناً في التسامح مهما كان الخطأ بليغاً كأن يكون خيانة تستمر لعامين مع الجارة والصديقة، فحين يخبرها عن خيانته وهو في لا وعيه تغضب غضباً شديداً وتسعى للتخلص منه بإيداعه دار العجزة لكنها ما تلبث أن تعود له وتقرر البقاء معه ومسامحته.
هكذا يكون للحب معنى أكبر من مجرد نزوة عابرة أو رغبة في الزواج ليمتد ويكون حياة كاملة لا ينتهي إلا بنهايتها.

Sawsanon@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى