خارج المعجم الإعلامي
خيري منصور
لم تعد كلمة مُعجم تعني دلالتها الدقيقة وهي القاموس الشامل الذي يتضمن المصطلحات والمفردات كلها. وحين يقال على نحو مجازي، إن للشعر معجمه أو للطب معجمه أو للإعلام معجمه أيضاً، فالمقصود بذلك كل ما يتعلق بهذه المجالات ويعبر عنها.
والسائد الآن في المعجم الإعلامي قد لا يكون مسبوقاً بهذا الكم من مفردات الهجاء والتخوين وإطلاق الأحكام بلا حدود!
والسبب ليس كما يظن البعض فائض القنوات الفضائية؛ بل ما انتهى إليه الحوار بمجمل شروطه وأدبياته من انسداد في آفاقه وتحوله إلى مونولوج أو تداعيات؛ بحيث يبدو المشتغل في هذا الحقل كما لو أنه يكلم نفسه، أو يلعب الكرة بلا شبكة وبلا حكم!
وقد يكون لتفاقم الأزمات وعدم قابليتها للانفراج في المدى المنظور دور في ذلك؛ لكن السبب الأعمق ثقافي بامتياز وله جذور تربوية أيضاً؛ لأن لكل مرحلة من مراحل التاريخ مناخاً يسود ويفرز أنماط تفكير وعادات ذهنية تتناغم مع منظومة المفاهيم والقيم المتداولة فيه. وحين يكون الحوار مستكملاً لشروطه لا يكون هناك مجال لممارسة الإقصاء أو احتكار الصواب؛ لأن الآخر ليس خارج النص الاجتماعي والسياسي أيضاً، فهو في النهاية شريك قدر تعلق الأمر بقضايا وطنية تخص الجميع.
وقد عرف العالم العربي نمطاً من المعجم الإعلامي المتوتر في خمسينات وستينات القرن الماضي، حين كانت الثنائيات تتحكم بالعقل السياسي فيكون البشر تبعاً لها إما شياطين أو ملائكة، وإما رجعيين أو تقدميين، وكنا نظن أن العالم العربي تخطى تلك المرحلة وغادر ذلك المعجم وأدبياته الهجائية؛ لكن ما حدث خصوصاً في هذه الآونة هو توظيف المنجز التكنولوجي المتعلق بالإعلام لتطوير وتصعيد ما يمكن تسميته ثقافة النميمة وفقه الاستعداء، ويحدث كل ذلك بلا احتكام إلى منطق أو قرائن، وسيكون لهذا المعجم الإعلامي نتائج كارثية على المستويين الثقافي والتربوي؛ لأن ما كان مسموعاً فقط في الماضي أصبح مرئياً على مدار اللحظة!