خطة بايدن الكبرى وصراعات الكونجرس
طارق فهمي
بعد موقفه الحازم في الكونجرس تجاه خطة الرئيس بايدن، أظهر الجناح «اليساري» للحزب «الديمقراطي» خطاباً توافقياً جديداً مبدياً استعداده لتقديم تنازلات حزبية للتمكن من تنفيذ وعود بايدن بإجراء استثمارات كبيرة.غير أن المفاوضات تبدو طويلة بالنسبة للرئيس الأميركي، ولإدارته لتطوير البنية التحتية في البلاد وفقاً للخطة البالغة قيمتها 1.2 تريليون دولار، ومشروع الإصلاحات الاجتماعية الضخم الذي يتبناه بايدن، والتي ستؤثر على في مساراتها على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال الأشهر المقبلة.
يتضمن مشروعا القانونيْن – محل التجاذب – استثمارات ضخمة بالبنية التحتية، بقيم 1.2 تريليون دولار، والإنفاق الاجتماعي بمقدار 3.5 تريليون دولار، وهما أساس للإنجاز الداخلي الذي يسعى الرئيس جو بايدن لإتمامه طوال ولايته الحالية.
لكن إقرارهما النهائي ليس سهلاً برغم الخيار التوافقي المستجد لمشروع قانون البنية التحتية، الذي يحظى بتأييد أكبر، الأمر الذي سيظل محور تفاوض ليس سهلاً بالنسبة للحزبين معاً، وفي ظل حالة من عدم الاستقرار السياسي في الكونجرس والمتعلقة بملفات إدارة السياسة الخارجية أيضاً، والقرارات المتتالية التي تصدرها الإدارة، وتحتاج إلى مراجعة ومزيد من التحري في الكونجرس، إضافة لحالة الارتباك الراهنة والمتعلقة باحتمال نفاد أموال الحكومة الأميركية في مرحلة ما بعد أكتوبر ما لم يتحرك الكونجرس لرفع سقف الاقتراض الفيدرالي، وهو ما سيتم كخيار حتمي، وكان الكونجرس قد علق سقف الدين في 2019، لكن المهلة المحددة بعامين انقضت في 31 يوليو الماضي، مما أجبر وزارة الخزانة على بدء اتخاذ خطوات استثنائية للبقاء تحت السقف، ومواصلة تمويل العمليات الحكومية. ويشار إلى استمرار ارتفاع الدين الوطني والعجز خلال أزمة كورونا بعدما أقرت الإدارة الأميركية ثلاثة قوانين إنفاق ضخمة بهدف تخفيف الضرر الناجم عن التداعيات الاقتصادية، ورفع سقف الدين لا يزيد الإنفاق، لكي يسمح للخزانة بتمويل مشاريع وافق عليها الكونجرس.. وفيما يسيطر الحزب «الديمقراطي» على الكونجرس، فإن رفع سقف الدين يتطلب أصوات من المشرعين «الجمهوريين». لكن الحزب «الجمهوري» أعلن معارضته ذلك حتى الآن. وكثيراً ما أثارت مسألة رفع سقف الدين جدلاً في الكونجرس مع التوقع بنمو الاقتصاد الأميركي خلال العام الحالي ككل بمعدل 5.7% فقط من إجمالي الناتج المحلي، وليس بمعدل 6%. وبالتالي من المحتمل أن يقل إنفاق المستهلكين الأميركيين في ظل تفشي متحور«دلتا» من فيوس كوفيد-19. ولهذا تواجه الإدارة الأميركية خيارات صعبة بعد اقتراب الحد القانوني لقدرتها على الاقتراض. وإذا لم يتم تعليق أو رفع سقف الديون، فسوف تواجه الولايات المتحدة صعوبات في دفع رواتب الموظفين الفيدراليين، والعجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه حاملي السندات مما قد يضر بالاستقرار المالي للدولة.
وقد تجاوزت الديون الأميركية 28 تريليون دولار، وهو رقم أكبر من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة. والمعنى مما يجري أن الإدارة الأميركية مطالبة بالخروج من الوضع الراهن بمزيد من الإجراءات الاقتصادية الخلاقة، وليس فقط الالتزام بنص البرامج الحزبية الضيقة، خاصة أن التطورات الاقتصادية الداخلية تنذر بالخطر، وهو ما يتطلب بالفعل توافقات حزبية بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، وعدم التركيز على مسار اقتصادي واحد، وهو ما قد يكلف الرئيس جو بايدن الكثير من التبعات في الفترة المقبلة، ويتطلب بالفعل تدخلات رسمية لحسم التباينات في المواقف. وفي ظل حالة من الاحتقان داخل قطاعات الرأي العام الأميركي، والتي ستتابع ما تجري وهدفها عدم دفع تكلفة عالية من نمط حياتها، ستبقى قضايا السياسة الداخلية هي الأهم، والأكثر فعالية من أي قضايا خارجية للمواطن الأميركي.
* نقلا عن “الاتحاد“