خواطر في روابط المكوّنات
عبد اللطيف الزبيدي
لماذا تدعو الضرورة إلى معالجة هذا الملفّ الآن؟ القضيّة أكبر من السؤال: لماذا تداعت أركان جامعة الدول العربية؟ لا جدوى إلى تجاهل حقيقة أن أيّ نظام مؤسسيّ ظل على مرّ القرون لا يحترم أقلياّته ولا يعترف بحقوق هويّتها الأولى. العالم العربيّ مجموعة مكوّنات تحتاج إلى مايسترو يوحّد الآلات المختلفة في أداء مشترك لسيمفونيّة الحياة، في توافق متناغم. لا تستطيع أيّ قوّة أن تقول للناي يجب أن تكون ترومبيت، وللعود أن يصبح تشيلو. بهذه الصورة البسيطة يمكن تلخيص جوهر إدارة شؤون الدول وكل مؤسساتها.
ثمّة مشاهد مفارقات أخرى معبّرة. النظامان الشيوعيّ والرأسماليّ المغالي، وجهان لعملة واحدة في نهاية المطاف.الطرفة القديمة برهان مبين: قال السوفييتيّ للأمريكيّ: نحن في بلادنا الإنسان يستغلّ الإنسان، فقال الأمريكيّ: ونحن العكس!في كلا النظامين انعدام عدالة في ملكيّة أدوات الإنتاج، ولكليهما أطنان من المبرّرات التبجّحيّة. لكن كليهما أسوأ من الآخر في معاملة الأقليّات: شعوب الجمهوريات السوفييتيّة، والسود والمسلمين وغيرهم في الولايات المتحدة.
الإيديولوجيا وحدها لا تستطيع أن تكون نظام حكم عادل يدوم. حتى تيمورلنك، الذي كان لصّاً في مراهقته، قال كحكيم سياسيّ: «إن البلد الذي يؤخذ من على صهوات الجياد، لا يمكن أن يدار من على ظهور الخيل». أليس بأعقل من بوش الثاني ومن تلاه، في التعامل مع العراق؟ في نطاق الصورة المكبّرة لسياسة الإيديولوجيا، ومآل تفكيك تركيب مكوّناتها، يجب العكوف بجدّ وعمق على المصير التفتيتيّ الذي يواجهه العالم العربيّ. كيف كانت الإمبراطوريّة الإسلاميّة من الشرق الأقصى إلى إسبانيا. وقائع التاريخ تحتاج إلى استقراء وتحليل وتعليل. الماضي لا يمضي، يظل حاضراً ولا تطوى صفحته. من لا تحترم قواعد انتمائه ينفصل قلباً، وحين تحين الفرصة ينفصل قالباً: «حذارِ فتحت الرماد اللهيب».
وهن الجامعة العربية يتطلب معالجة سريعة وفي أرفع مستوى، لكن الأهمّ يجب بحثه في مراكز النخب الفكريّة، التي عليها أن تدرس الحاضر والمستقبل بوضوح، وتضع نظريّة جديدة عمليّة، تنمويّة غير إيديولوجيّة، لتشكّلٍ جديدٍ لعالم عربيّ سياساته العليا مصالح ترعى وتراعي الانتماء العامّ للمكوّنات المختلفة. مفهوم الدولة الحديثة العصريّة لا يتجانس مع إلغاء الهويّات المحليّة. مشكلات الجامعة العربيّة التي تشغل الذهن ليست سوى كرزة الكعكة. تسميم الكعكة هو حادثات الليالي التي تسهر عليها المخططات التفتيتيّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبيّة: مفاصل عظام العالم العربيّ تفقد روابطها، نحتاج إلى «جلوكوزامين» سياسيّ يعيد لحمة المكوّنات.
abuzzabaed@gmail.com