خواطر في شفافية الإعلام
عبد اللطيف الزبيدي
سؤالان محوريان في شأن الإعلام: هل أراد النظام العربيّ يوماً أن يكون الإعلام شريكاً له في الرأي؟ وهل أراد الإعلام يوماً أن يكون شريكاً في الرأي للسياسات العربية؟ إذا كان الجواب بنعم، فبقية العمود لاغية.
الإجابة النافية تستدعي لحظة اعتراف بأن العلاقة بين الطرفين لم تكن سويّة، علاقة قوة من طرف واحد، عدم إحساس بالمسؤولية العامة، لا مبالاة بالمصالح العليا للأوطان. تنزيه فردية السلطة أسوأ موروث في التاريخ العربيّ، هو الذي جرّ النوائب في كل تاريخنا الحديث. كان السبب دائماً «الوقوف في الزاوية الخطأ من التاريخ»، الجملة التي لم يملّ العمود تكرارها. العلاقة غير السوية أساسها سوء تقدير الدور الحقيقيّ للإعلام. هنا أيضا إرثنا عجيب لم يستطع السياسيون والإعلاميون تجاوز عقباته، وهو أن النقد يؤخذ على محمل الهجاء، والنصيحة تضمر التشكيك في الحكمة والرشاد، والتحقيق يعني وقاحة البحث عن النقائص، وإبداء المخالف للمعلَن الرسميّ بث للفتنة، وهكذا لا يبقى للإعلام إلا المجاراة، يصبح متخلياً عن أمانة الحرص على الشفافية التي تخدم الأنظمة والشعوب والأوطان.
جوهر الموضوع: لماذا قضى العالم العربيّ سبعين سنة، بل منذ وعد بلفور، في ضياع النهضة الحضاريّة؟ لماذا تبددت الإيجابيات ولم تتراكم؟ ولماذا تفاقمت السلبيات، ولم يوضع حدّ لها؟ الإعلام اليقظ لم يكن عامّا، فقد رحل رجال إعلاميون أقطاب ذوو ضمائر حيّة،كانت قيمهم مصابيح وهّاجة، وعقولهم مفعمة بأعمق الإيمان بقضايا الأمّة. عندما رسّخ الراحلان تريم ود.عبدالله عمران وضع «إسرائيل» بين مزدوجين في جريدة «الخليج»، كان ذلك إيماناً بأن الخليّة الاستعماريّة المزروعة في قلب الأمّة، لا يمكن أن تهزم الأمّة إلى الأبد.
علاقتنا بالسبعة غريبة: 1917 بلفوريّ، 1947 قرار التقسيم، و2017 ترامبي. عندما يعجز وعي أمّة عن الرشد في مئة عام، فلا شك في أن الأسباب مريبة: غياب التربية والتوعية، إهمال القوة الدفاعية الذاتية في التنمية حين تكون في المحيط قوة نموها تحدوه العدوانية (لماذا الإصرار على أن تكون «إسرائيل» متفوقة عسكريّا على العرب مجتمعين؟! أين حاسة الشم؟). هم ليسوا مسلمين ولكنهم عمليّا أعدّوا لكلّ العرب ما استطاعوا من القنابل النوويّة، والقوى الكبرى عملت بقول المتنبي: «أقوى الممالك ما يُبنى على الأسلِ» (الرماح العوالي). طوال قرن أصرت الأنظمة على ألا تسمع من الإعلام غير ما يرسخ في أذهانها الجنان الآمنة المزدهرة، وهي فراديس وهمية، أيقظت الناس على الدمار الشامل.
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينية: الإعلام الشفاف منارة، من دونها تضل الأوطان الطريق.
abuzzabaed@gmail.com