قضايا ودراسات

دراما التعاطف مع الخائن

مارلين سلوم

لا شيء يبقى على حاله، والطبيعي أن يتطور الزمن ويتطور معه الإنتاج التلفزيوني الدرامي، ليصبح مناسباً لأفكار هذا العصر وأبنائه. والتطور الذي أصاب مسلسلاتنا العربية، إنما نقلها من تصنيف إلى آخر، خالعاً عنها صفة «المشاهدة العائلية»، لتتحوّل إلى «للكبار فقط»، أو لمن هم فوق 16 و18 عاماً.
كانت السينما هي ابنة الفن «الوقحة» أحياناً، والجريئة المؤدبة الكاسرة للقوالب الاجتماعية الطامحة الجامحة نحو عوالم أخرى، فيها من الخيال الكثير. ثم ظهرت نغمة «السينما النظيفة» وانقلبت الأدوار لتصير السينما «بلا قبلات» وبلا مشاهد حميمية حتى في الأفلام الرومانسية.. حتى وصلنا إلى من يحمل العصا من منتصفها، فيعطي المشهد الرومانسي حقه بالإيحاء والتعبير دون الفجاجة في المشهد.
في المقابل، قرّر صنّاع الدراما جعل التلفزيون بديلاً للسينما في بعض «الوقاحة». عرفنا الدراما العربية باعتبارها حاضنة الأسرة لا الأسِرّة، تشاهدها العائلات وتستمتع بقصصها العاطفية والاجتماعية والدرامية والتراجيدية، إلى أن بدأت تأخذ مكان السينما وتتحوّل شيئاً فشيئاً بقصصها ومشاهدها من العائلية إلى للكبار فقط. فهل هي تنقل الواقع أم تريد تغيير الواقع؟
الاتجاه الجديد الذي تسلكه المسلسلات العربية، هو «التعاطف مع الخائن والخائنة»، وتغيير أفكار المجتمعات لتتماشى مع عادات جديدة. مسلسلات كثيرة شاهدناها العام الماضي وهذا العام قائمة قصصها على الخيانة، بل يمكن القول إن كل من فيها خائن، من الأم حتى الكنّة والزوج والزوجة إلى الأخت والصديق.. والعلاقات خارج إطار الزواج يتم التعامل معها باعتبارها أمراً عادياً وطبيعياً، وسلوكاً تتبعه الفتيات بلا أي حرج أو تردد.
تانغو، لأعلى سعر، ومشيت، لآخر نفس، لو، 30 يوم، أنا شهيرة أنا الخائن وغيرها.. حتى مسلسل «بالحجم العائلي»، كانت فيه شخصية فتاة تقيم علاقة خارج الزواج. والمشكلة الحقيقية في تقديم الخيانة، سواء من قبل الزوج أو الزوجة، والحمل «غير الشرعي» في قالب يجعل المشاهد يتعاطف مع الخائن باعتباره الضحيّة. الإطار الرومانسي، والتشويق والخوف على حياة الشخصيات ومصائرها، يدفع المشاهد للتفاعل فيدافع لا إرادياً عن الخائن، طالما أنه تحوّل إلى ضحية.
الخيانة موجودة منذ التاريخ، والعلاقات غير المشروعة موجودة أيضاً منذ الأزل، إنما ظهورها بهذا الشكل على الشاشات العربية، وبهذه الكثافة هو الجديد علينا. وأن تخون المرأة زوجها بدم بارد، وتكمل حياتها وكأن شيئاً لم يكن، هو الاتجاه الجديد للدراما العربية، وهو ما يستوقفنا لنستشف منه الرياح الآتية على المجتمعات من أبواب المسلسلات، أو أنها موجودة أصلاً، لكنها بدأت تخرج إلى العلن بشكل فج وصريح. والخطورة ليس في القصة نفسها، بل في نقل هذه المفاهيم للأطفال، طالما أن مشاهدة المسلسلات تكون عائلية دائماً.

marlynsalloum@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى