درس في تاريخ الجولان
نبيل سالم
يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على إظهار غرائبيته بين الحين والآخر، وتعامله مع القضايا السياسية العالمية، بطريقة لم يعهد تاريخ السياسة الأمريكية لها مثيلاً، أما آخر هذه الغرائبيات فهو ما أعلنه ترامب مؤخراً بأنه اتخذ القرار المثير للجدال بالاعتراف بضم «إسرائيل» لمرتفعات الجولان عام 1981 بعد تلقيه درساً سريعاً في التاريخ خلال حوار بشأن موضوع مختلف.
وقال ترامب أمام تجمع الائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيجاس، إنه اتخذ هذا القرار السريع خلال نقاش مع كبار مستشاريه بشأن السلام في الشرق الأوسط، ومن بينهم ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة لدى «إسرائيل»، وصهره جاريد كوشنر، لكنه أضاف وسط ضحك من الحاضرين: «قلت أيها الزملاء أسدوا لي معروفاً. حدثوني قليلاً عن التاريخ بشكل سريع. تعرفون لديّ أمور كثيرة أعمل بشأنها: الصين وكوريا الشمالية»، وذلك قبل أن يخبر الحضور بتلقيه ذلك الدرس التاريخي، الذي بنى على أساسه موقفاً، يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وتخلياً مثيراً عن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ عشرات السنين، رغم دعمها اللامحدود ل«إسرائيل».
إذاً فإن القرار الترامبي الجديد، لم يأتِ هكذا، وإنما جاء بعد درس في التاريخ، تطوع بشرحه له كلٌّ من صهره جاريد كوشنر، وديفيد فريدمان سفيره في «إسرائيل»، وإن الرئيس الأمريكي تمكن من تناول جرعة مركزة من المعرفة التاريخية، مكنته من قراءة التاريخ، واتخاذ القرار «المناسب والسريع والسليم» على حد تعبيره، الذي عادة ما يطلب إحاطته بالأمور بشكل سريع ومركز، ويشتهر بإعادة سرده الروايات بشكل يتضمن بعض الخيال.
وكان الرئيس الأمريكي قد وقع في الخامس والعشرين من مارس/ آذار الماضي، خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، على إعلان باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالجولان أرضاً «إسرائيلية»، في خطوة فُسرت، على نطاق واسع، بأنها محاولة لتعزيز موقف نتنياهو الذي كان في خضم حملة انتخابية في التاسع من إبريل/ نيسان، للفوز بفترة جديدة.
وقال ترامب لاحقاً، إنه اتخذ قراره بشكل سريع، لكنه أضاف قائلاً: «إننا نتخذ قرارات سريعة. ونتخذ قرارات سليمة».
وعلى الرغم من طرافة القصة، التي تعكس مدى جهل الرئيس الأمريكي بالتاريخ، واتخاذه قرارات خطِرة في قضية الصراع العربي «الإسرائيلي» التي شغلت العالم على مدى عشرات السنين، فإن الأطرف في القصة، هو درس التاريخ السريع الذي تلقاه على يد صهره وسفيره في «إسرائيل». فإذا كان هذان الرجلان على دراية بالتاريخ، فمن الأفضل أن يسألهما عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والتي قامت على أنقاض الهنود الحمر بعد اجتثاثهم، وهم أصحاب الأرض الأصليون، بما يتشابه إلى حد كبير مع المشروع «الإسرائيلي» الاستيطاني الاحتلالي لفلسطين. وبالتأكيد فإن فريدمان وكوشنر، اللذين تمكنا من شرح تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي»، وقضية الجولان لرئيسهما، لن يعدما الوسيلة لإعطائه دروساً أخرى في التاريخ، تكون سريعة ومركزة ومقتضبة، كدرس الجولان، الذي تفهّمه ترامب بسرعة قياسية، قادته إلى اتخاذ القرار بشأنه، والذي كان سبباً في ضحك الحضور في لاس فيجاس.
وإذا كان من كلمة تقال في هذه المناسبة، فهي أن القرارات الترامبية، تعكس مدى افتقار الرئيس الأمريكي للمعرفة، وربما للإمكانيات التي تؤهله لاتخاذ قرارات مصيرية، تبدو وكأنها لا تمت إلى المنطق والسياسة بصلة، وأنها لا تعدو كونها قرارات عاطفية انفعالية، وجاهلة، تمليها المصلحة «الإسرائيلية» ليس إلا، ومصلحة الجوقة اليهودية الصهيونية التي تحيط به، والمعبأة بمفاهيم الأساطير التوراتية والعنصرية.
nabil_salem.1954@yahoo.com