دموع الضحك
خيري منصور
كم من الشكر والتماثيل يستحق ممثل كوميدي أصر على أداء دوره في مسرحية كوميدية بعد ساعات من رحيل أمه، التي عرف عنه منذ صباه أنه كان شغوفاً بها ويوشك ألّا يفارقها، فهل كان ما فعله عقوقاً لا يليق بالأم والإنسان ليس له من كل نساء الأرض غير أم واحدة؟ أم كان ذلك وفاء للناس الذين جلسوا في مقاعدهم بانتظار فنان أحبوه، وطالما أضحكهم وأدخل السرور إلى قلوبهم بعد عناء يوم طويل!
بالطبع سيبقى سؤال إشكالي كهذا معلقاً، وقد تتعدد الإجابات عنه تبعاً لمكونات نفسية وتربوية وثقافية.
لكن ما لا يعرفه الكثير ممن تدمع عيونهم من فرط الضحك على أداء ممثل كوميدي هو أن من يضحكهم قد يكون في ذروة الحزن، وليس لقلبه المفعم بالأسى نصيب من وليمة الضحك.
وهناك بالفعل ممثلون أو كتّاب لم يَحُلْ فقدانهم لأقرب الناس وأعزهم دون وفائهم لجمهورهم، سواء كان متفرجاً في قاعة مسرح أو أمام شاشة أو كاتباً. ولعله أمر يتجاوز المصادفة أن تكون السير الذاتية لأشهر فناني الكوميديا تراجيدية بامتياز، لهذا هم وحدهم الذين لا يصدق عليهم القول إن فاقد الشيء لا يعطيه، فهم يعطون ما يفتقدون إليه؛ لكن من فائض مواهبهم وطاقاتهم التي سُخرت لإسعاد الآخرين!
وفي تراثنا العربي أقوال مأثورة وحكايات عن امتزاج الضحك بالبكاء بدءاً من المتنبي صاحب «المبكيات المضحكات»، وليس انتهاء بفكري أباظة مؤلف «الضاحك الباكي»؛ ذلك لأن العواطف الإنسانية ليس لها تضاريس تفصلها عن بعضها فهي تجليات لا يحدها شيء وحتى من الناحية الفسيولوجية، قد يدمع الإنسان إذا أوغل في الضحك، ولا أدري لماذا كان أجدادنا يستعيذون من الضحك خشية مما قد يعقبه من مفاجآت محزنة، ربما لأن الفرح في التاريخ البشري عابر وضيف خفيف، أما الأحزان فهي شبه مقيمة، وهذا ما دفع دانتي صاحب «الكوميديا الإلهية» إلى القول إنه وجد الكثير لديه كي يكتبه عن الجحيم والقليل جداً عن الفردوس!.