دور العبادة هدف متكرّر للإرهاب
محمود الريماوي
جاء وقت هو وقتنا، أصبحت فيه المساجد، وهي دور عبادة المسلمين، بحاجة إلى حماية وحراسة من قتلة يرفعون راية إسلامية. وهذا هو الاستخلاص الأولي الذي يعبّر عن الحاجة الموضوعية لدرء إرهاب من يتجلببون بالدين، ويستهدفون بوحشية منقطعة النظير من يفترض أنهم أخوة لهم في الدين، وكما حدث في مسجد الروضة في شمال سيناء. وإذا عرفنا أن المسجد يقع في قرية تقع غرب مدينة العريش، وأن عدد الضحايا بلغ 305 شهداء إلى جانب 128 مصاباً، فذلك يعني أن هذه الجريمة الوحشية استهدفت القضاء على جميع من كانوا يؤدون صلاة الجمعة، 24 نوفمبر الجاري. وعلى ما روى أحد الناجين القلة، فإن قنبلة مزروعة انفجرت داخل المسجد مع بدء شعائر الصلاة، وأودت على الفور بعشرات المصلّين، فلما هرب بعض الناجين تحت رهبة الانفجار وضغطه، فإذا بمسلّحين يحيطون بالمسجد بسيارات الدفع الرباعي يطلقون نيرانهم على الناجين، وقد انسحب القتلة بعدما اطمأنوا إلى أنهم قد فتكوا بالعدد الأكبر من المصلّين.
ومغزى ذلك أن الإرهابيين قد انتقلوا إلى طور جديد من نشاطهم، وهو الولوغ في حرب إبادة شعواء ضد من لا يوفّرون لهم الحاضنة أو المأوى، وضد من لا يشايعونهم في اجتهاداتهم وفتاويهم الظلامية.. وأنه يكفي وجود عدد من الجنود مهما كان ضئيلاً، أو حتى مع وجود جندي واحد في أي مكان، كي يسوّغ القتلة لأنفسهم الفتك بكل من يتواجد في هذا المكان، حتى لو كان مسجداً وفي وقت إقامة شعائر الصلاة.
وواقع الحال أن هذا الاستهداف المشين لدار عبادة المسلمين، يثبت مجدداً أن الإرهاب لا دين له، وأنه لا فرق بين كنيسة أو مسجد في الاستهداف، ما دام سفك دماء بريئة يحقق هدف بث الرعب والترويع، وإشهار السطوة الإجرامية ولو مؤقتاً.
إنه لأمر مثير للسخط الشديد أن تتحوّل دور العبادة إلى هدف «سهل» للإرهابيين، ومن هم في حُكمهم. وقد تكرّرت مثل هذه الاستهدافات في دول «إسلامية» مثل باكستان وسوريا والعراق واليمن ولبنان والصومال والنيجر، إضافة إلى مصر على مدى الأعوام القليلة الماضية. وإلى جانب الكنائس التي لم يسبق أن تعرّضت لأي أذى قبل هذه الموجة الظلامية، فإن الحصة الكبرى من الاستهدافات كانت من نصيب المساجد، وعلى أيدي من يُفترض أنهم مسلمون، مما ينبئ بحال الانحطاط المريع التي نعيشها، ويثبت هذا مرة بعد مرة أن المسلمين هم الضحية الأولى، والهدف الأول للإرهاب الذي يستهدف المدنيين بمختلف أشكال هذا الإرهاب وتلاوينه ومسمياته، وأن المسلمين تبعاً لذلك على الأقل، براء من هذه الآفة المقيتة الغريبة على معهود حياتهم واجتماعهم، وأن الإرهابيين لا يمثّلون إلا ذواتهم الشريرة، وإلا مجموعات القتلة التي ينضوون فيها، ومن قد يمُدّ لهم يد العون والدعم.
ومن المؤلم، لكن من الواجب الجهر بأن المسلمين (وعلى خلاف الأديان الأخرى التي لا تشهد أي احتراب داخلي في أوساطها)، يتعرّضون للاستهداف المتوالي من نظرائهم في العقيدة نفسها، وهو أمر غير مسبوق في تاريخنا الحديث الذي ساد فيه الإخاء والتعايش بين أبناء مختلف الديانات والطوائف من جهة، وفي داخل الصف الإسلامي الذي يمثّل أكثرية شعوبنا، من جهة ثانية..
غير أنه يستحق الالتفات إلى أن ما أصاب تنظيم «داعش» الإرهابي من دحر وهزائم متتالية على مدى العام الجاري، قد حمل هذا التنظيم على اقتراف مجموعة من الجرائم الوحشية في سيناء، وذلك في محاولة لتعويض هزائمه في العراق وسوريا وليبيا، وللإيحاء بأنه لم يستنفد قدراته بعد.
وفي أجواء الصدمة والحداد على الضحايا، فإنه غني عن القول هنا إن هذا التطور الجديد على أداء تنظيمات إرهابية في مصر، أياً كان منبتها وارتباطاتها، يُملي الانتقال إلى مرحلة جديدة أشد كثافة في التعامل مع هذه العصابات، وعلى مستوى إعلان حرب مفتوحة وشاملة عليها، وبسط السيطرة الأمنية البرّية الكاملة، إضافة للسيطرة الجوية، على سائر المناطق التي يمكن أن يتواجد فيها أفراد هذه العصابات، رغم شساعة هذه المناطق في شمال سيناء وجنوبها، وهي مناطق شديدة الأهمية والحساسية للأمن الوطني المصري، وسبق أن دارت فيها حروب طاحنة. وبحيث تمتد حالة الطوارئ المعلنة زمنياً ومكانياً في الرقعة الواسعة موضع العمليات، إلى أن تحقق أهدافها في اجتثاث تلك العصابات، وقطع دابرها، وبما يحول دون أن تتحوّل تلك المناطق إلى بؤرة إشغال واستنزاف شبه دائم، أو إلى مناطق جذب لأي إرهابيين، أو لأي عابثين بالأمن القومي المصري. وبما يسمح بعدئذ بالانتقال إلى تنمية شاملة ومستدامة لذلك الجزء العزيز من الوطن المصري.
mdrimawi@yahoo.comOriginal Article