قضايا ودراسات

دولة الإمارات وصناعة المستقبل

د. ناجي صادق شراب

المستقبل ليس مجرد أحلام خيالية يتمناها المرء، والمستقبل على مستوى الدولة ليس كالحلم الفردي. على مستوى الدولة الحديث يكون عن دور ومكانة الدولة، وقدرتها على مسايرة التطورات العلمية والتكنولوجية الرقمية،ليكون لها دور في إنتاجها وصناعتها والقدرة على تطبيقها، فتتحول الدولة من دولة تابعة إلى دولة متبوعة. هذه الرؤيه المستقبلية تبلورها قيادة سياسية رشيدة قادرة على استيعاب ما تريده دولها، ومنفتحة على التطورات السياسية الشاملة التي تحيط بها. قيادة منفتحة غيرمنغلقة، وغيرمتشددة. قيادة تحكمها منظومة قيم من الحوار والتسامح والانفتاح على كل الثقافات والحضارات.
هذه الرؤية المستقبلية هي التي تحكم القيادة السياسية في دولة الإمارات، وهي الرؤية التي زرع بذورها المؤسس الشيخ زايد،طيَّب الله ثراه، وصاغتها القياده الرشيدة في الدولة في رؤية الإمارات2071. فمنذ البداية أدرك محددات بناء المستقبل،وتتمثل بالإنسان والتعليم، وهما في حال توفرهما يصبحان ركنين أساسيين للمستقبل. وهذا فعلاً ما تم إنجازه الآن، والمستقبل يرتبط بالثورة الصناعية الرابعة. وهذا الدور يحدده امتلاك وتطبيق مكونات ومخرجات هذه التي تجاوزت في مخرجاتها كل الثورات السابقة، وسيبقى تأثيرها قائماً لعقود طويلة. بمعنى أن معايشة هذه الثورة والتكيف معها هو اختبار لنجاح أية دولة وسيحدد مكانتها المستقبلية، واليوم تحدد مكانة الدول الكبرى والصاعدة من منظور مساهمتها في إنتاج الثورة الصناعية وليس استهلاكها، وهذا ينطبق على دولة ألإمارات.
وتاريخياً ارتبطت قوة الدول صعوداً وهبوطاً بالثورات الصناعية الثلاث السابقة، اليوم على سبيل المثال فإن دولاً مثل الصين والهند وماليزيا والولايات المتحدة فإن الثورة الرقمية هي التي تحدد معايير دورها.إن هذه الثورة هي عملية تراكمية لما سبقها من ثورات، ولكن الثورة الرقمية حولت العالم إلى قرية كونية رقمية،ويتحول العالم معها إلى مجرد معلومة يختزنها جهاز بحجم الكف.ومفهوم الثورة الصناعية الرابعة أطلقه رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب في دافوس 2016، وتترادف هذه الثورة مع مصطلحات الثورة الرقمية، أو ثورة الذكاء الاصطناعي، وثورة الحكومات الذكية وعصر ما بعد المعلومات.
وهذه المفاهيم نجد مظاهرها في كل مناحي الحياة في دولة الإمارات،وكما نعلم إن كل ثوره لها أساسها. الأول هو البخار، الثاني الكهرباء، الثالث الاتصالات، والرابع الرقمية. وبحكم عمر دولة الإمارات السابع والأربعين فإنها تعاملت وبقوة مع الثورة الرقمية من خلال الحكومة الذكية، والثورة في مناهج التعليم لتتحول إلى مناهج رقمية، والمؤتمرات والمنتديات العالمية التي تنظمها الدولة، ومن خلالها تتفاعل مع أحدث ما وصلت إليه الثورة الرقمية، وتعاملت معها في صورة خدمات يومية تقدم للمواطن، والتي سهلت عليه الكثير من العناء والجهد. وبدأ الرقم يدخل في كل معاملات الحكومة، ويمكن للمواطن والمقيم أن يتعامل وينجز الكثير من معاملاته وهو جالس في بيته.
وتتعامل الدولة مع هذه الثورة من خلال إعداد جيل شاب قادر على التعامل مع مخرجات ومنتجات هذه الثورة بدلاً من استيراد العقول الخارجية، ولا يقف الأمر عند الجيل الشاب، بل تقوم أيضاً بإعداد الجيل الأصغر وهو جيل الطفولة حتى يكون قادراً على التعامل مع كل التطورات المستقبلية التي يمكن أن تلحق بالثورة الرقمية.
إن دولة الإمارات بدأت تتحول إلى صناعة المعلومة، وهذا له دلالات عميقة في عملية بناء الدولة وتحولها من دولة ريعية أو شبه ريعية إلى دوله منتجة باقتصاد متنوع، ومن شأن ذلك أن يحول الدولة إلى ملتقى ووجهة لكل المستثمرين والمنتجين والمبدعين للتعامل معها. ولنجاح هذه العمليه كان أيضاً لا بد من تطوير البنية التعليميه العليا، ومسايرة جامعات الدولة للجامعات الأجنبية، واستقدام هذه الجامعات للدولة. ومن خلال عملية الاحتكاك والتفاعل تكتمل عملية التعامل مع الثورة الرقمية وتتواصل من جيل إلى جيل. هذه المحددات هي التي تقف وراء نجاح دولة الإمارات، وبمعايير العمر الزمني يمكن القول إن من أهم توصيفات دولة الإمارات أنها دولة الثورة الرقمية والثورة الصناعية الرابعة، وهذه إضافة مميزة ومهمة لدور ومكانة دولة الإمارات بين الدول والأمم الأخرى.

drnagishurrab@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى