قضايا ودراسات

رامبو إفريقيا الوسطى

فتح العليم الفكي

أخيراً.. حسمت إفريقيا الوسطى- التي تعيش على وقع حرب طائفية منذ عام 2013 – أمرها، وسلمت الأسبوع الماضي إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أحد قادة الميليشيات التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة بحق الأقلية المسلمة في البلاد تمهيداً لمحاكمته.
وأظهرت وسائل الإعلام العالمية لحظة اعتقال عضو البرلمان الفريد يكاتوم الشهير ب«رامبو» -الذي بدا زائغ العينين، ساهم النظرات، يبدو عليه الخوف والوجل من المصير الذي ينتظره جراء جرائمه البشعة التي تراوحت بين القتل والتعذيب ومهاجمة المدنيين واستخدام الأطفال في القتال.
«رامبو» كان جزءاً من ميليشيات مسيحية تسمى «مناهضة بالاكا» هدفها الأساسي اقتلاع ميليشيات «سيليكا» المسلمة من السلطة التي استولت عليها بالقوة، وفي سبيل تحقيق ذلك ارتكبت انتهاكات فظيعة ضد الأقلية المسلمة.
ومع استعار أوار العنف الطائفي في البلاد، فر الآلاف من السكان بجلدهم هرباً من القتل على الهوية الذي ساد معظم أنحاء البلاد، وتشتت الأسر في العديد من البلدان المجاورة، وشهد الأسبوع الماضي وحده، مقتل أكثر من 40 شخصاً وتم حرق كاهن حتى الموت، وهوجمت قاعدة لقوات حفظ السلام الأممية وأصبح حي «بي.كاي 5» الذي تقطنه أكثرية من المسلمين في العاصمة بانغي، يشكل بؤرة التوتر في البلاد.
إن عملية تسليم «رامبو» إلى الجنائية الدولية، قد تسهم في التخفيف من وطأة العنف وربما تدفع قادة الميليشيات إلى إعادة النظر في حساباتهم، خاصة أن حصانة «رامبو» البرلمانية لم تنقذه من التسليم للعدالة الدولية، كما أن جرائمهم وانتهاكاتهم مرصودة وهي جرائم لا تسقط بالتقادم.
في العام 2016 تبنى الاتحاد الإفريقي خطة جماعية للانسحاب من الجنائية الدولية، بزعم أنها تستهدف الأفارقة وانسحبت بالفعل بورندي، وأوقفت جنوب إفريقيا خطوات الانسحاب من الجنائية بعد عزل الرئيس جاكوب زوما، كما أوقفت جامبيا الإجراء نفسه بعد إجبار يحيى جامع على التنازل عن السلطة للرئيس المنتخب.
وعلى الرغم من أن الانسحاب من «الجنائية» لا يعفي الدولة المنسحبة من التعاون معها فيما يتعلق بالتحقيقات والإجراءات الجنائية، فإنه لا يمس نظر المحكمة في أي إجراء كان قيد النظر بالفعل قبل التاريخ الذي أصبح فيه الانسحاب نافذاً.
ليس صحيحاً أن «الجنائية» تستهدف الأفارقة وحدهم، بقدر ما هي تنظر في الشكاوى التي ترد إليها بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، ومن نافلة القول التذكير بالصراعات التي تشهدها دول القارة وعدم استقلالية القضاء وتبعيته للسلطة التنفيذية، كل هذا يمنح الجنائية الحق في نظر الانتهاكات وإنصاف الضحايا.
وثمة سبب آخر يدحض المزاعم الإفريقية، هو إعلان الجنائية قبل أسابيع نيتها التحقيق مع عناصر من الجيش الأمريكي بسبب انتهاكات لحقوق معتقلين في أفغانستان، الأمر الذي دعا واشنطن إلى تهديد المحكمة بفرض عقوبات إذا مضت قدماً في التحقيقات.
إن الاتحاد الإفريقي مطالب بتشجيع قادة إفريقيا الوسطى على تسليم قادة الميليشيات الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية إلى الجنائية الدولية، لينالوا جزاءهم العادل حتى تتعافى البلاد من آثار الصراع العرقي الذي غرقت فيه.

alzahraapress@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى