رحلة بحث عبر الحروف
محمد عبدالله البريكي
القراءة هي البداية الحقيقية للتنقيب والتجريب، القراءة هي الغذاء الذي يمنح الروح والعقل الطاقة المناسبة التي تقوي على مصاعب التفكير، وترتقي به إلى درجات السمو والجمال والكمال، القراءة هي الغيمة الكريمة التي تجود على أرض المعرفة؛ فتزهر وتعطي الخير والثمر، القراءة هي الغدير الذي تتوقف عنده الذات العطشى لتشرب وتحمل معها ما يكفيها منه، عابرة به صحارى الكشف ومدن الحرف، هي النهر الواسع الذي لا يمل من العطاء، هي الطريق الأمثل للوصول إلى الاتزان والتخطيط ورسم المستقبل وبناء الذات وارتباطها بما يحيط بها من علاقات كثيرة، هي النور الذي يضيء دروب العتمة ويكشف ليل الجهل، القراءة هي رحلة بحث واستكشاف عبر الحروف؛ للوصول إلى معانٍ تدل على الطريق الصحيح، للحصول على كنوز معرفية وثقافية غائرة في الفكر والكون، ولذلك فإن كل أمة جعلت من القراءة زادها وهواءها وهويتها، استطاعت بالوصول من خلال المعرفة إلى تقديم خدمات جليلة وعظيمة ولا تنقطع للإنسانية، والجهل على خلاف ذلك دمر مدناً وشتت أمماً وفرّق شعوباً، فكم من مآسٍ حلت بالإنسانية وأدخلتها في ظلمات كثيفة جعلتها لا ترى من حولها وما يدور حولها، وأصبحت تشتبك مع نفسها في ظلمات بعضها فوق بعض، فدمرت ذاتها قبل أن تدمر ما بناه غيرها أو بنته مع من سبقها فضاعت وضيعت، ولذلك قيل إن «الجاهل عدو نفسه» لا يعي بما يريد ولا يخطط للجديد.
إن اللجوء إلى القراءة هو استقطاع وقت قصير لإنتاج عمل كبير، فما تؤسسه الثقافة وتبنيه المعرفة، يستطيع أن يقف عبر حقب زمنية ضد عوامل التغريب والتهميش وطمس الوجه الحضاري المشرق للأمم، فالجذور النابتة في الفكر تقف بأنفة أمام رياح التغريب والتغيير.
إن القراءة في الإمارات أصبحت مترسخة منذ عقود، بمواصلة حضور معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وأكد هذا النهج صدور قرار سيادي بتخصيص مارس/ آذار من كل عام شهراً للقراءة، وهذا المفهوم له دلالة واضحة على أن الدولة تعتبر القراءة ضرورة من أجل البناء والمحافظة على المنجز الحضاري والإنساني والاجتماعي، ولذلك سبق أن ذكرت أنه إذا كانت القراءة هي ممارسة إنسانية واجتماعية؛ فإن هذا الفعل سيعمل على عقد علاقة ود وصداقة مع الكتاب، وهو ما سيعمل على تنمية مهارات الفرد وتغذية عقله بالكثير من المعارف، مما سيمنحه طاقات إبداعية ولياقة فكرية، تفتح له آفاقاً كثيرة تسهم في بناء شخصيته، ومنها بناء مجتمعه والنهوض به ليصل إلى مصافّ الدول المنتجة والمتقدمة في مجالات كثيرة.
أن يُخصص للقراءة شهر، فهذا يعني أن يدخل الفرد في ورشة معرفية مكثفة، تعمل على رفع لياقته بشكل لا يسمح بالتراخي أو الكسل وهو ما يحتاج إلى التفرغ الزمني والعمل على تنقية الأجواء؛ لتصفو الروح وتعيش خلوة معرفية متصلة، ينتج عنها ثراء فكري يتشظى فيما بعد مردوداً إيجابياً على المجتمع، هذه الممارسة تربطنا أيضاً بعام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد؛ فهذا القائد المؤسس حرص على تنمية الفكر، وبناء الذات من خلال المعرفة، ولذلك تأتي جائزة الشيخ زايد للكتاب كعلامة فارقة في دنيا المعرفة وعالم الثقافة.
hala_2223@hotmail.com