قضايا ودراسات

رسالة بلا صواريخ

مفتاح شعيب

خلا العرض العسكري الذي أقامته كوريا الشمالية في الذكرى السبعين لتأسيسها، من الصواريخ العابرة للقارات، وحضرت بالونات ملونة، وزهور، ليوجه بذلك رسالة مضمونها أن هذه الدولة المغلقة ربما بدأت تغير استراتيجيتها القائمة أصلاً على النبرة العالية للتحدي، وخطاب المواجهة الحاد ضد الولايات المتحدة، وحلفائها في المنطقة، مثل كوريا الجنوبية، واليابان.
إحدى دلالات هذا العرض الذي حضره الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، تؤكد أن الزعيم الشمالي كيم جونج أون بدأ «يلعب السياسة»، بما فيها من مناورات، ومباغتات، وخدع، خصوصاً بعد قمته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سنغافورة في يونيو/ حزيران الماضي، وما سبقها، ولحقها من قمم مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن الذي سيلتقيه للمرة الثالثة في بيونج يانج منتصف هذا الشهر. وقد تكون القمة المرتقبة حاسمة يتم فيها قطع شوط كبير باتجاه نزع أسباب التوتر في شبه الجزيرة الكورية، على الرغم من أن التوجهات السياسية لكلا البلدين لا تزال متباعدة، ومتناقضة، فالشماليون يطمحون إلى إعادة توحيد البلاد، والتخلص من الهيمنة الأجنبية، أما الجنوبيون فلا يشغلهم في الوقت الراهن غير التخلص من مخاطر السلاح النووي، وهو مطلب واشنطن بالأساس، وذريعة بقاء قواتها في المنطقة منذ انتهاء حرب التقسيم عام 1953.
ترامب، اللاهث وراء «صفقة» مع كيم جونج أون، قال إنه ينتظر «رسالة إيجابية» تتعلق بمفاوضات نزع السلاح النووي. وكما تكون الرسالة مكتوبة، أو شفوية، تكون أيضاً بلغة أخرى. وحمل مشهد الزعيم الكوري الشمالي شابكاً يده بيد لي تشانشو، أحد الأعضاء السبعة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، وهما يلوحان لطوابير الجنود والمدرعات، رسالة مصورة توحي بأن الصين التي اتهمها ترامب بمحاولة عرقلة جهوده في كوريا الشمالية، حاضرة بقوة، وجزء من المشكلة والحل، ويمكن أن تقرر مصير أي صفقة وفق مصالحها، في وقت تشهد فيه علاقاتها بالولايات المتحدة توتراً تجارياً، وأمنياً، وسياسياً، كبيراً. وفي مثل هذه الحالات لا تقبل الدول بحل المشكلات فرادى، وإنما دفعة واحدة، وضمن أسس وتفاهمات متعددة المستويات، وهذا ما تريده بيونج يانج، وبكين، إذا أحسنت واشنطن ترجمة الرسالة بلغة سياسية صرفة.
بين التوتر والتهدئة تتأرجح نبرة التواصل بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، مع التأكيد على أن المشاكل المتفاقمة التي تواجهها إدارة ترامب ستكون عامل تأثير حاسم، في وقت يمكن لتعدد اللاعبين أن يفسد ما تم إنجازه. وفي تصريح مقتضب بعد الاحتفالات، أكد زعيم كوريا الشمالية أن بلاده ملتزمة بما تم التوافق عليه مع ترامب، والأمر يتوقف على التزام الولايات المتحدة. وبين مدّ وجزر تحاول السياسة الأمريكية الظفر باتفاق يرضي غرورها، ولكنها تبدو أحرص من بيونج يانج على التوصل لشيء ما، لاعتبارات داخلية عنوانها الأزمات، والفضائح، ولحسابات إقليمية في جنوب شرقي آسيا، وتحديداً في مواجهة الصين وروسيا. وبعد الدور الصيني الذي اعترف به ترامب، ها هي موسكو أيضاً تريد أن تسجل حضوراً أكثر وضوحاً من ذي قبل في ضوء التخطيط لقمة بين كيم جونج أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي قمة لن تكون لقاء للتعارف، وإنما تنصب في جوهر المشكلة النووية وحدود الغنيمة الأمريكية المحتملة، إن كانت فعلاً ستجد حلاً.

chouaibmeftah@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى