رقم صعب
ابن الديرة
زمن التخصصات والتخصصات الضيقة، وزمن يشهد متغيرات متسارعة لجهة التخصصات والمهن والوظائف. هذا ما يقال الآن، ويروج له، على صعيدي التنظير والإعلام على نطاقات واسعة معظمها رسمي وتقوم به مؤسسات الدولة، فأين التطبيق، وهل هناك بوادر من أي نوع؟ هل التطبيق مؤجل؟ هل هو مؤجل بوعي وقرار إلى أن يحين حينه مثلاً؟.. وإلى متى؟ هل تحل الوظائف الجديدة محل الوظائف القديمة أو التقليدية دفعة واحدة، على حين غرة، أم تدريجياً مع التمهيد لها عبر التوعية والتثقيف؟ ثم كيف نروج للفكرة مع بقاء مساقات التعليم كما هي، وحضور المسافة الشاسعة إياها بين مجال التعليم وسوق العمل، مع العلم بعزلة كل منهما عن الآخر؟
أسئلة يقصد منها إثارة موضوع مهم ومغفول أو مسكوت عنه بالقدر نفسه، وإذا كان لدى الجهات المعنية تصحيح أو توضيح فلتتفضل، نحو تحقيق شفافية مطلوبة بإلحاح، لأنها تتصل بقضية جماهيرية من الدرجة الأولى، قضية مستقبل الأجيال الطالعة، وبالتالي، بشكل مباشر، مستقبل الوطن.
الانطلاق أولاً من واقع الحال أو هكذا يفترض، فلو عدنا إلى موضوع التخصص لوجدنا العجب العجاب، لجهة التوظيف كيفما أنفق في عديد جهات، في تحد واع أو كأنه واع لمقولة «الشخص المناسب في المكان المناسب»، حيث يرى الكثيرون أن هذه المقولة التي تجسد الأمل غير متحققة بما يتسق مع طموح الإمارات المعلن ضمن الخطط والاستراتيجيات التي يعمل الجميع من أجل نجاحها بأنها تعبر عن روح دولة الإمارات الخلاقة والوثابة.
وقد يعين خريج، بادئ ذي بدء، في مهنة تماثل أو تقارب التخصص، ثم سرعان ما ينقل إلى غيرها بموافقته ولأسباب ربما اتصلت، في معظم الأحيان، بتحسين الدخل. حجة واهية مردود عليها، فهذا النوع من تحسين الدخل مؤقت وغير منتج على المدى الطويل، فيما الخسارة متحققة بالتأكيد، خسارة طاقة الموظف مقرونة بخسارة عدم إتاحة الفرصة لإكسابه الخبرة في العلم الذي تعلمه، ما يؤثر على نفسيته وكل حياته.
فما العمل؟ فتش عن البرنامج والمنهج والمشروع.. فتش عن الدراسات المستقبلية التي تجيب عن سؤال ماذا نريد اليوم وماذا نريد غداً، وابحث عن المعنى الرصين العميق الكامن في فلسفة الموارد البشرية، حيث الطاقة البشرية ثروة الثروات، وحيث تحقيق الجدوى القصوى هدف تبذل من أجله الجهود والأموال، وذلك نحو تكريس فكرة التدريب والتعليم المستمر، واعتبار الفرد، ضمن فريق العمل، الرقم الصعب الذي لا ينصهر في المجموع وإن شارك وتعاون إلى الحد الأقصى.
عنصر الثروة البشرية هو الرقم الصعب، وهو يكتسب أهميته وصعوبته من الوعي والاختصاص والإتقان والإنتاج ومعرفة الطريق.
ولا لوم على المؤسسات وحدها، فعلى الإنسان، كل إنسان، في العلم والعمل والحياة، وعي أنه رقم صعب أو أنه يجب أن يكون رقماً صعباً، وتحقيق الحلم إنما يبدأ بعد استيعاب السؤال الأهم، فهل أنت رقم صعب؟ بعض الجواب لدى مؤسسات التعليم وجهات التوظيف، ومعظم الجواب لديك أنت.
ebnaldeera@gmail.com