رقود «داعش» ونهوض «طالبان»
عمر عليمات
تعيش أفغانستان هذه الأيام على وقع مسلسل التفجيرات المتتالية التي نفذتها «طالبان»، وبالتزامن مع الهجوم الأعنف للحركة الذي أوقع نحو 100 قتيل، جاءت دراسة لهيئة الإذاعة البريطانية لتؤكد أن «طالبان» تنشط علناً في 70% من مقاطعات أفغانستان، وتسيطر تماماً على 4% من البلاد.
أعداد القتلى في تفجيرات طالبان لا تقل صدمة عن أرقام «بي بي سي»، والتي تظهر أن التنظيمات الإرهابية تمرض ولا تموت، وأنها تستكين لفترات من الزمن لتعاود نشاطها بصورة أكثر بشاعة وإجراماً، إذ إن الإرهاب الذي تمارسه هذه الجماعات هو إرهاب عقدي قائم بالأساس على إيمان هؤلاء الإرهابيين بصواب ما يقومون به، وأن البشرية بحاجة إليهم لتصويب الأخطاء وإعادة الناس إلى الطريق القويم.
أفغانستان اليوم باتت أرضاً خصبة للجماعات المتطرفة، في ظل إعلان «داعش» عن وجوده فيها من خلال تبنّيه التفجير الذي استهدف ثكنة للجيش في العاصمة كابول، وبهذا تصبح البلاد بين حجري رحى الإرهاب المتمثلين بطالبان وداعش، هذا إذا ما افترضنا أن التنظيمين هما الوحيدان اللذان ينشطان هناك.
عودة طالبان بهذه الفظاعة التي تؤكدها أرقام ال«بي بي سي» تشير، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الحلول العسكرية والأمنية لن تجدي نفعاً مع هؤلاء القتلة، فهي تحجمهم وتقلم أظفارهم ولكنها لا تنتزعها، ومن هنا تبرز أهمية الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، للقضاء على الإرهاب وحرمانه من أي أرض خصبة تمثل حاضنة له بسبب سوء التعليم وتدهور الخدمات والمستوى المعيشي.
أفغانستان ومنذ انهيار نظام طالبان قبل ست عشرة سنة، ما زالت تعيش تحت واقع مرير من الفقر والجهل وتدني مستوى التعليم ونقص الخدمات الاجتماعية، الأمر الذي يشكل بيئة حاضنة لأي فكر متطرف، خاصة إذا ما كان هذا الفكر تفرضه حركة مثل طالبان كانت لفترة من الزمن تحكم أفغانستان.
والحديث عن أفغانستان وطالبان يقودنا إلى الحديث عن داعش والرقة والموصل، فبرغم الإعلان عن سقوط الدولة المزعومة في سوريا والعراق، فإن التحدي يبقى ماثلاً، فهذه الجماعات كالملح الذي يذوب في الماء، فهي تذوب في المجتمعات، لتنخر في جسدها وفكرها وعقول شبابها، لتنهض مرة أخرى من رقودها، أكثر عدوانية وشراسة .
واقع الجماعات الإرهابية لم يعد لغزاً ولا أحجية بحاجة إلى فهم عميق للتعامل معها، فهي ببساطة تبدأ بالتكاثر والتغلغل بالمناطق الأكثر فقراً وجهلاً، ثم تزحف إلى مناطق جديدة لتعلن عن وجودها، فكما كانت دولة في أفغانستان ظهرت بعد سنوات طويلة لتعلن دولة في سوريا، وتبدأ الحرب من جديد عليها لنعلن بعد سنوات حافلة بالدم والإرهاب عن سقوط خرافة دولة داعش.
اليوم نحن بحاجة إلى مشروع «مارشال» حقيقي يستهدف المناطق المؤهلة لتصبح حاضنة لهذه الحركات، بحيث يتم قطع الطريق على هذه الجماعات عبر تحصين سكان هذه المناطق فكرياً ودينياً، إلى جانب مساعدتهم عبر مشاريع صغيرة لتأمين متطلباتهم المعيشية، لضمان عدم استغلال حاجتهم من قبل الجماعات التي تنشر الفكر المتطرف الذي بات ينهش في جسد العالم دون رحمة. فلو تم توجيه المبالغ التي أنفقت على محاربة الجماعات الإرهابية إلى هذه المجتمعات في فترات سابقة لبروز هذه الجماعات، لما استطاع أي أحد من أصحاب الفكر الضال أن ينشر فكره ويقنع أحداً بشذوذه، فالحياة لا يمكن أن تجتمع مع الموت والازدهار لا يمكن أن يقترن بالجهل والتخلف، والتطرف لا يمكن أن ينمو مع الوعي والتعليم، لكنه يتغذى ويقوى عوده مع الفقر .
olimat25@yahoo.com