غير مصنفة

رهان الضربة القاضية

خيري منصور

عُقب آخيل الإرهاب وسر هزيمته ومصرعه، لا يتلخص فقط في كونه مضاداً للتاريخ ومجراه ولكل أشواق البشر نحو تحسين شروط وجودهم في هذا الكوكب. إنه من حيث لا يدري يحشد في بنك أهدافه مختلف الأجناس والعقائد، وينتهي إلى أن يكون عدواً للإنسان حيثما وجد وأينما عاش. وضحاياه بدءاً من الكنائس حتى المساجد مروراً بمراكز الأبحاث ومنجزات الفنون يجدون أنفسهم أخيراً في خندق واحد مقابل خنادقه المتعددة التي تأكل بعضها وتتنافس كأسماك القرش على مصدر رائحة الدم! وكلما اقترب الإرهاب من نهايته اشتدت شراسته وتفاقم جنونه، لأن رهانه في النهاية هو عليّ وعلى أعدائي، ولأنه وحيد ومنبوذ فإن الرهان يرتد عليه ويذهب ليبقى من تصور أنهم أعداؤه. وذلك هو سر الفشل الذي انتهت إليه كل موجات التوحش في التاريخ لأنها لو استمرت لما كان هناك دولة وقوانين وعقود اجتماعية وتمدن . وهناك مقولة عربية موروثة عن ضربة اليائس الأخيرة، والتي يظن أنها القاضية، وهي بالفعل قاضية لكن على ما تبقى منه وليس على أعدائه. ولو شئنا استعراض أمثلة من التاريخ عبر مختلف العصور عن التيارات العدمية المضادة للتطور والمبشرة بالفوضى كبديل للدولة فهي كثيرة، لكن القاسم المشترك الأعظم بينها هو الاستجابة للغرائز، ونداء الانتقام، لهذا فهي سادية، لا تكتفي بالقتل بل تتلذذ بالتنكيل واستعراض الأنياب والمخالب التي يقطر منها دم الضحية!
ورغم وفرة المشاهد الدموية المثيرة للقشعريرة التي ينتجها الإرهاب بمختلف شعاراته وأسمائه يبقى الإجهاز على من هم في جلال السجود هو الأشد ضراوة وانتهاكاً وقسوة، وقد تكرر ذلك مراراً في كنائس مصر ومساجدها وفي كل مكان تمددت إليه أذرع هذا الأخطبوط الأسود!
وقد لا يدرك الإرهابيون أنهم أشبه بالقط الذي تورط لسانه بمبرد من الحديد، فالدم الذي يستمرئه هو دمه، وهو يمارس الانتحار البطيء من دون أن يعلم، والأرجح أن الضربة القاضية عليه أصبحت وشيكة بعد أن تأكد الناس جميعاً أنهم بكل ما ورثوا وأنجزوا ليسوا خارج أهدافه!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى