روسيا الضعيفة – القوية
د. حسن مدن
لا مفاجأة في فوز بوتين. استطلاعات الرأي كانت قد حسمت الأمر قبل فترة، والعارفون بالشأن السياسي الروسي، الداخلي خاصة، يعلمون أن الرجل أحكم السيطرة على مفاصل الدولة والحكم في البلاد، هو الذي مكث في السلطة، حتى الآن، ثمانية عشر عاماً، كانت أكثر من كافية لتثبيت أقدامه في كافة مواقع النفوذ فيها، وهو سليل واحد من أهم وأخطر أجهزة الدولة الموروثة من العهد السوفييتي، ألا وهو جهاز أمن الدولة.
إن كانت هناك من مفاجأة فهي في النسبة التي نالها بوتين بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات التي أعطته زيادة في نسبة الأصوات تكاد تبلغ 15% على ما كان ناله في انتخابات 2012. وبذا فإنه سيواصل بقاءه في الكرملين بتفويض شعبي غير مسبوق.
لم يكن العالم، والغرب خاصة، الذي ينظر إلى روسيا بوتين بوصفها غريماً، يتوقع نتيجة مغايرة، لكن المرجح أن الغرب فوجئ بنسبة الأصوات العالية التي حصدها بوتين، في انتخابات لا يمكن القول إن الإقبال عليها كان ضعيفاً، بل على العكس كان كبيراً، بكل مقاييس الانتخابات العالمية. لكن ليس واضحاً بعد، ما إذا كان الغرب يعلم أنه، من حيث لا يريد، ساهم في صنع هذا الفوز الكبير لبوتين، فبمقدار ما كان الغرب يكيد الخصومة ويصعّد من الضغوط والعقوبات على موسكو، كان يرفع من شعبية فلاديمير بوتين لدى مواطنيه الروس.
إنها المشكلة الأزلية في علاقة روسيا بالغرب. لم يستطع الغرب، ولا يريد أيضاً، أن يفهم روسيا، تاريخاً وجغرافياً وخصائص ثقافية ونفسية لشعبها. ورغم ما يتراءى للرائي من أوجه ضعف في أداء روسيا، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي، إلا أنها تختزن في ثناياها عوامل قوة مهولة لا تبدو ظاهرة لمن لا يعرف هذا البلد من داخله.
بل إن ما يبدو أوجه ضعف في روسيا، يمكن أن يتحول إلى عوامل قوة، على خلاف كل التوقعات. ومن ذلك أن مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين وصف روسيا في بدايات القرن العشرين، محقاً، بأنها الحلقة الضعيفة في النظام الرأسمالي العالمي آنذاك، لكنه لم يجعل من هذه الحقيقة عامل إحباط، وإنما وظَّفها لقيادة البلاشفة، الذين لم يكونوا القوة الأكبر يومها، لكنهم بالتأكيد كانوا الأفضل تنظيماً وانضباطاً نحو السلطة، ليقيم نسخة من النظام الاشتراكي في الدولة المتخلفة بالمعيار الأوروبي، لا في أكثر الدول الرأسمالية تقدماً كما كان ماركس قد دعا وتوقع.
بوتين ليس وفياً لتعاليم لينين، ولكن لديه من الفطنة والخبرة ما يجعله يعرف في أي المواقع تكمن قوة روسيا، وهو القائل بأن تفكك الاتحاد السوفييتي كان أكبر كارثة جيو سياسية في القرن العشرين، لذا لا غرو حين تنظر إليه قطاعات واسعة من مواطنيه على أنه رمز لعودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية.
madanbahrain@gmail.com