رومانسية سياسية
خيري منصور
حين كتب جارودي عن الواقعية في الأدب والفن قال إنها بلا ضفاف، لهذا اتسعت لمن وصفوا بالرومانسية أو الخيال الجامح، لأنها في النهاية تعبير عن الواقع وانعكاساته، لكن الواقعية السياسية لم يُقيّض لها بعد من فقهاء هذا الفن من يعرّفها على نحو دقيق، فهي تتسع لتشمل البرغماتية أو الذرائعية كما نقول في لغتنا العربية، وأحياناً تكون الواقعية السياسية أشبه بحق يراد به باطل؛ لتبرير مواقف معنية أو اختراق خطوط حمر منها الثوابت الوطنية. وفي هذه الأيام نشهد اشتباكاً قل نظيره، وقد يكون غير مسبوق بين رومانسية سياسية يغذي خطابها ما كان متداولاً في خمسينات القرن الماضي، التي شهدت بعد الحرب العالمية ما سمي تصفية الاستعمار.
وكما أن للواقعية السياسية إذا لم توضع لها حدود نتائج سلبية، فإن للرومانسية السياسية أضراراً قد لا يستشعرها المتحمسون في ذروة الانفعال؛ لأنها تعزل الإنسان عن محيطه إقليمياً ودولياً، وتبقيه في نطاق النشيد العاطفي!
وإذا صدّقنا بأن السياسة فن الممكن وأن لعبتها أشبه بالمصارعة الحرة فإن من يتعاملون معها بعواطفهم وقلوبهم غالباً ما يصبحون ضحاياها وهم لا يعلمون، لهذا قال سارتر في إحدى مسرحياته بعنوان «الأيدي القذرة»، إن من يجازف بالعمل في المجال السياسي عليه أن يرتدي قفازاً لأنه من الصعب عليه أن يحتفظ بنظافة يديه!
رومانسيو السياسة والحالمون أو النائمون في العسل كما يقال يسهل اصطيادهم كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب وتتوهم بأنها بذلك تحجب جسدها عن الصيادين وسهامهم. فالنوايا الحسنة لا تفضي دائماً إلى الجنة وقد تكون طريقاً معبداً إلى الجحيم خصوصاً في عصر رقمي لم يعد يقيم وزناً للعواطف، ويعطي للمصالح الأولوية. وفي ضوئها يتحرك سهم البوصلة أخلاقياً وسياسياً!
إن أحد أسباب سوء التفاهم الذي نشهده عبر الميديا وفي مختلف الفعاليات الإعلامية هو التباعد بين الرومانسيين المثاليين والواقعيين!