ساندرز .. بين الرهان وخيبة الأمل
د. محمد الصياد
منذ خسارته للانتخابات التأهيلية عن الحزب الديمقراطي أمام منافسته في الحزب، هيلاري كلينتون، وبيرني ساندرز يتعرض لهجوم متقطع، لكنه مرير وقاسٍ، من قبل بعض أوساط اليسار الراديكالي، وبعض أوساط الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، على خلفية قراره تجيير قاعدته الانتخابية لمصلحة منافسته كلينتون، بهدف قطع الطريق على منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
ربما يكون ساندرز متثاقلاً، أو متكاسلاً إن شئتم، في الاستجابة للحركة التي صارت تحمل اسمه والتي يقودها جمع غفير من الشباب والشابات الأمريكيين الذين راهنوا على فوزه، على أمل تعديل الكفة المائلة لمصلحة سلطة رأس المال والأثرياء. وحتى هذا يمكن أن يُعزى إلى عامل السن. إنما هل هو متخاذل، كما يصفه بعض التقدميين الأمريكيين حين اختار، على نحو صادم، بالنسبة إليهم، تحويل، وتجيير أصوات قاعدته الانتخابية لمصلحة كلينتون؟ هذا الرأي القاطع هو الآخر لا يمكن الجزم بصحته. فهذا الذي أقدم عليه ساندرز، بعد أن فقد حظوظه في ترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة، الذي فضل هيلاري عليه، وانحاز بصورة سافرة، وغير أخلاقية في بعض فصولها، لمصلحة ترشيحها، يمكن أن يندرج في إطار الاجتهاد السياسي الذي استهدف قطع الطريق على المرشح الجمهوري من الوصول إلى البيت الأبيض. تماماً كما فعل المخرج الشهير، وصانع الأفلام الأمريكية الحائز على الأوسكار مايكل مور، الذي لم يسلم هو الآخر من انتقادات الراديكاليين الأمريكيين غير البناءة، التي وصل بعضها لحد القذف الذميم، باتهام أحدهم في أحد المقالات لمايكل مور بأنه أخذ وعداً من هيلاري بتعيينه سفيراً في إحدى جزر الكاريبي ليستمتع بشواطئها، ثمناً لتحويل حملته المؤيدة لبيرني ساندرز إليها بعد إخفاق ساندرز في نيل ترشيح الحزب الديمقراطي له.
ساندرز الذي قدمه مناصروه، ومؤازرو حملته الانتخابية الرئاسية، على أنه «البطل القومي التقدمي» المؤهل لقيادة الدولة، والمجتمع الأمريكيين نحو بر الأمان المنشود، والمتمثل في تعديل ميزان القوى في المجتمع الأمريكي المائلة كفته بصورة بالغة الحدة والخطورة لمصلحة ال 1% من حائزي الثروة والسلطة، والجاه، والنفوذ، على حساب 90% من المجتمع، ووضعهما من جديد على سكة النمو المُوازن بين دفتيه الاقتصادية والاجتماعية، لم يكن هو في واقع الأمر بهذه «الحدّة الراديكالية»، ولم يقدم نفسه يوماً بهذه الصفة لأنصاره وجمهور ناخبيه. كل ما في الأمر أنه قدّم قراءة اقتصادية واجتماعية للمجتمع الأمريكي أكثر تقدماً ونضجاً من منافسته كلينتون، وتجاوز كليشيهات حزبه الديمقراطي وبرنامج الحزب الانتخابي النيوليبرالي الذي تبنته مرشحة الحزب كلينتون.
المثير أن منتقديه من الليبراليين والديمقراطيين الأمريكيين لا يزالون يراهنون عليه، ويطالبونه، ويطالبون حركته المسماة «ثورتنا» بالدعوة لعقد مؤتمر صحفي للمطالبة باستبدال لجنة التحقيق في مزاعم تورط روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية بلجنة تحقيق مستقلة في المشكلة الحقيقية للبلاد، والمتمثلة في النتائج الكارثية لهيمنة قلة من كبريات الشركات والمؤسسات المالية على السلطة السياسية والاقتصادية في البلاد، على اعتبار أن لا أثر واضحاً لتلك المزاعم، مقارنة بما خرجت به نتائج الدراسة التي أعدها اثنان من كبار علماء علم السياسة، هما مارتن جيلنز من جامعة برينستون، وبنجامين بيج من جامعة نورث ويسترن، بناءً على فحص أكثر من 1800 من المبادرات والبرامج الحكومية المختلفة، ومفادها أن النظام السياسي الأمريكي هو أقرب إلى الأوليجارشية منه إلى الديمقراطية، حيث يخضع لمشيئة وإدارة كبار الأثرياء، ومجموعة غير منتخبة، ومتصلة مع بعضها بعضاً بصورة وثيقة لإدارة دفة البلاد.
إلى ذلك، فإننا نحسب أن هؤلاء الليبراليين الأمريكيين هم في الواقع لا يعولون على ساندرز بمخاطبتهم إياه، ومواجهته بالحقائق التي تحدث عنها في حملاته الانتخابية، بقدر تحديه في أن يقف في وجه ذلك التيار الذي يحكم قبضته على مفاتيح السلطة، والثروة في البلاد.
alsayyadm@yahoo.com