سقوط المصالحة وترنح «صفقة القرن»
حافظ البرغوثي
يسعى اليمين «الإسرائيلي» الحاكم بدعم من الإدارة الأمريكية إلى تذويب القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى «صفقة القرن»، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن إزاحة القدس عن الطاولة كما قال الرئيس ترامب ثم محاربة وكالة غوث اللاجئين وقطع المساعدات عنها ثم الموافقة على الاستيطان وإطلاق يد الاحتلال في كل مكان وسحب الاعتراف بمنظمة التحرير والعودة إلى اعتبارها منظمة إرهابية وفقاً لتوصيف الكونجرس، هي من مستلزمات نسف القضية الفلسطينية وتدمير مبدأ حل الدولتين والتأسيس لنظام فصل عنصري جديد مدعوم من قبل الولايات المتحدة.
الوضع الفلسطيني حالياً يمر بأسوأ حالاته مع الرفض الفلسطيني للإملاءات الأمريكية، بعد أن بانت مقدماتها التي تنسف التطلعات الوطنية الفلسطينية من الأساس وتصفي القضية الفلسطينية بالكامل، وتكرس الاحتلال إلى ما لا نهاية. وكذلك فإن الرفض الفلسطيني لأفكار الحل التصفوي لقضيتهم يعني سحب الدعم الأمريكي لإجراءات المصالحة بين «فتح» و«حماس». فأساس المصالحة هو أن الأمريكيين أرادوا طرح «صفقة القرن» كما رأى مهندس السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط جاريد كوشنر صهر ترامب وداعية الاستيطان على أنه لا بد من توحيد الصف الفلسطيني لحشد الدعم للصفقة. وقد تم استمزاج رأي مصر بها، وتم استدعاء وفد من «حماس» إلى القاهرة قبل الحديث عن المصالحة وطلبت استئناف مساعي المصالحة ثم استدعت وفداً من «فتح» وأبلغته بالأمر والذي بدوره أبلغ الرئيس الفلسطيني الذي فهم أن المصالحة تحظى بغطاء أمريكي- مصري.
كوشنر مع صديقه نتنياهو هما من صاغا فكرة «صفقة القرن» بحيث لا تحمل في ثناياها إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وهو ما كان اليمين «الإسرائيلي» يطالب به دوماً ويدعو لحكم ذاتي محدود بلا سيادة أو حدود على مساحة صغيرة ذات كثافة سكانية كبيرة.
الآن وقد تبددت الآمال في «صفقة القرن» نظراً للرفض الفلسطيني المطلق للوساطة الأمريكية المنحازة إلى الاحتلال والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للاحتلال، وإسقاط قضية اللاجئين والسماح بالاستيطان، يبدو أن المصالحة الفلسطينية عادت إلى نقطة الصفر وأعاد التيار القطري سيطرته على «حماس»، ولم يعد الرجل الذي وثقت به مصر وهو يحيى السنوار قادراً على تمرير المصالحة لأنه يخضع لأطر حركة حماس التي عادت للعمل على الاستفراد بغزة وعدم تمكين حكومة الوفاق من العمل.
وكان لافتاً أن وجود السفير القطري العمادي في غزة تزامن مع وجود القيادة الكاملة ل«حماس» في القاهرة، فاتخذ العمادي من غزة منصة لمهاجمة مصر، وتم رفع صور أمير قطر ووالده والعلم القطري في ساحة عامة وعلى مبنى الفندق الذي تفادى الوفد الأمني المصري الذي ذهب إلى غزة التواجد فيه. وكشف السفير القطري أنه زار «إسرائيل» 20 مرة سراً في السابق، وكان يعني غزة أيضاً. فما الذي كان يفعله سوى دعم الانقسام ونقل الأموال في حقائب تحت نظر الاحتلال الذي ما زال قادته يرون في الانقسام ذخراً استراتيجياً «إسرائيلياً»!
الموقف الفلسطيني رافض الآن للوساطة الأمريكية إلا ضمن لجنة دولية متعددة الأطراف، حيث يرى الرئيس عباس أن الصفقة الأمريكية لن تبقي للفلسطينيين أي أمل في التحرر وتكرس الفصل العنصري، بحيث تطبق «إسرائيل» قانونها المدني على المستوطنين وعددهم الآن 720 ألفاً في القدس الشرقية والضفة فيما تطبق قانون الحكم العسكري على بقية الضفة والفلسطينيين، لأن واشنطن باتت طرفاً وليست حكماً، وهي تريد إملاء سلام بنكهة استيطانية دائمة. فمن أقوال كوشنر لوفد فلسطيني عشية إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال أنه قال «إن «إسرائيل» دولة عظمى عسكرياً واقتصادياً وهي ليست بحاجة للسلام معكم ولها علاقات مع دول عظمى»، فكان الرد الفلسطيني أن «لا أحد يقبل بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» لا فلسطيني ولا عربي»، فقال كوشنر «أعرف ذلك وقد قال لنا السعوديون ذلك»، فقال الطرف الفلسطيني: ««إسرائيل» هي من بحاجة إلينا ونحن نقرر من يكون على طاولة المفاوضات فلا أحد كان يتوقع سقوط نظام نووي عنصري قوي مثل «إسرائيل» في جنوب إفريقيا ولكنه سقط». وهنا قال كوشنر بعنجهية «إنكم ستدفعون الثمن» فرد صائب عريقات عليه: «ما الذي يبقى لكي ندفعه إذا أعطيتم القدس للاحتلال، فلا سلام من دون القدس ولا سلام من دون الرقم الفلسطيني الصعب؟».
hafezbargo@hotmail.com