مقالات عامة

«سو كي» لا تستحق «نوبل»

غوين ديير *

الفائزون بجائزة نوبل للسلام، يمضون أحياناً في وقت لاحق إلى شغل وظائف خاملة الذكر، ويبدو أن بعضهم فاز بالجائزة عن طريق الخطأ، مثل باراك أوباما، على سبيل المثال. ولكن لم يحدث من قبل أبداً، أن مضى أحدُهم ليُصبح مجرم إبادة جماعية.
كانت أونغ سان سو كي، الزعيمة المنتخبة في بورما، قد استحقت جائزة نوبل للسلام بجدارة، لحملتها غير العنيفة التي استمرت 30 عاماً (قضت معظمها تحت الإقامة الجبرية) لاستعادة الديمقراطية في بلادها. وقبل عاميْن كانت سمعتها رفيعة مثل سمعة نيلسون مانديلا.
لم يكدْ أحدٌ يلاحظ مقابلة أجريت معها عام 2013، قالت فيها إن البوذيين في مقاطعة راخين يعيشون في خوف من «القوة الإسلامية العالمية». وكما تعلمون، هذه القوة العالمية، هي ذاتها التي تترك المسلمين ليكونوا النسبة الغالبة في مخيمات اللاجئين في العالم. (يشكل المسلمون ثلاثة أرباع اللاجئين في العالم).
في ذلك الحين، كانت تلك مجرد ملاحظة ناشزة، وكانت سو كي، ما تزال قدّيسة. كان مسلمو مقاطعة راخين، المعروفون باسم الروهينجا، يخضعون لسوء المعاملة من قبل السلطات، ولكن ذلك لم يكن خطأها، ولم يكن هنالك تطهير عرقي بعدُ. والآن، هنالك تطهير عرقي، وهي متواطئة فيه تماماً.
فعندما تم قتل 7 آلاف فرد من الروهينجا، واغتصاب ألوف آخرين، وفرار 700 ألف عبر الحدود إلى بنجلادش، مخلفين وراءهم نصف مليون آخرين، يقيم كثيرون منهم في مراكز اعتقال (معسكرات تجميع)، يستطيع المرء قانونياً أن يُسمّي ذلك تطهيراً عرقياً، أو إبادة جماعية، إذا كان يريد التقيد بحرفية القانون في هذا الموضوع.
تدّعي الحكومة البورمية أن الروهينجا مهاجرون غير شرعيين من بنجلادش. وهي ترفض حتى استخدام كلمة الروهينجا المألوفة، وتصرّ على الإشارة إليهم بتعبير بنجاليين أو إرهابيين بنجاليين فقط. ويقيم الروهينجا في مقاطعة راخين، في واقع الأمر، منذ ستينات القرن السابع عشر على الأقل، فلِمَ اللجوء إلى مثل هذه الكذبة الخسيسة؟
وشيئاً فشيئاً، أزال النظام العسكري الذي استولى على السلطة عام 1962، حقوق الروهينجا في الأرض، وحقوقهم المدنية، وفي عام 1982 ألغى حتى حقهم في الجنسية. وأعيد تعريفهم بأنهم مهاجرون غير شرعيين، وأخذ السكان البوذيون المحليون يشنون ضدّهم مذابح منظمة بين وقت وآخر.
قبل عامين، كان ما يزال يمكن للمرء أن يجادل قائلاً، إن حكومة الديمقراطية المتذبذبة التي تقودها «سو كي»، مضطرة إلى التزام الحذر في المعارك التي تدخل فيها. وكانت معركة الروهينجا إحدى هذه المعارك التي لا تستطيع الفوز فيها، ولذا فإنه من الأفضل تجنبها، وترْك الجيش يمضي في سبيله. ولكن ذلك كان قبل أن يتحول الأمر إلى إبادة جماعية شاملة في أغسطس.
إن الحسابات التكتيكية للمصلحة السياسية لا يمكن أن تبرر القتل الجماعي، ولكن «سو كي» على استعداد لتجاهل القتل الجماعي، إذا كان الضحايا مسلمين.
قال سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة، بيل ريتشاردسون لشبكة «سي إن إن» في الأسبوع الماضي، «إنّ سو كي تغيّرت.. وأصبحت، لسوء الحظ، سياسية تخاف من الجيش وتخاف من اتخاذ القرارات لحل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ».
وفي الوقت ذاته، قيل للروهينجا البالغ عددهم 700 ألف في مخيمات اللاجئين البدائية في بنجلادش، إن بإمكانهم البدء في العودة إلى ديارهم في الشهر القادم، ولكن الناس الذين شاهدوا نساء وفتيات من عائلاتهم تغتصب، وأفراداً يُقتلون رمياً بالرصاص، أو يُحرقون أحياء، يترددون في الثقة بالجيش البورمي. وقد دُمّرت قراهم وسُوِّيتْ بالأرض، وقد ينتهي بهم المطاف في مراكز احتجاز مروّعة في راخين.
إن سحب جائزة نوبل من «سو كي» لن يخدم الأمور في راخين، ولكنه سوف يُسدي لمكانة الجائزة كثيراً من الخير.

* صحفي مستقل تُنشر مقالاته في 45 دولة
موقع: لندن فري برس

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى