سياحة بوجه آخر
فتاةٌ جميلة و عجوزٌ انيقة ، مسنٌ يتهادى بوقار وعاشقٌ يسابق الخطى ، سائحٌ يلتقط الصور وآخر يرتشف القهوة ، وثالث يتذوق حلوى وأُخرى هنالك تغلف هدية ، فاتنةٌ تصف كراسي المقهى ، وانيقةٌ تمسح طاولةً .
سيدةٌ تقرأ كتاباً ، ورجل يقلب دليلاً سياحياً ، عازف كمانٍ في زاوية ، وقارعُ طبلٍ في أخرى ، وآخر هناك يشدو بلحنٍ ، وأخرى هنا تعزف ألحاناً .
شقراء تلاعب كلباً ، وكلبٌ يداعب طفله ، سحابٌ يدنو من الأرض ، وجبال تعانق السماء ، في كل مكان تنظر فلا تعلم أهي مدينة جميلة ؟ ام الجمال تمثل في مدينة !
من صخب وأناقة باريس الى تاريخ وعراقة ستراسبورغ وكروم العنب في أوبيرناي وجمال كولمار مرورا بروعة شاموني وشموخ جبال مونت بلانك وهدوء وفخامة مجيف وانتهاء بسحر انسي الفاتنة .
بين شوارعها شعب كادح ، وفي وسائل مواصلاتها هموم بدت ظاهره على اشباح بشر انهكتهم الحياة ، الوجوه شاحبه ، والعزة بالنفس باقية .
بين Bonjour و Bonsoir الف حكاية والف رواية ، في المدن تشعر بثقل الهواء محمل بهموم البشر ، وفي أريافها بدى كل شيء سعيد الشجر والحجر قبل الأزهار والثمر .
اذا أردت ان تزور بلداً إياك أن تراه بعين غيرك ، دعك من الكتب والتقارير السياحية ، كن كمن يقرأ بين السطور ، فتش عن الجمال وابحث عن التاريخ ، انظر بعين السائح ، وأغلق عين الناقد ، تجول بعين الباحث عن الجمال ، لا الباحث عن الخطاء .
تفحص وجوه الناس ، تذوق القهوة ، تناول طعام اهل البلد ، اركب مواصلاتهم العامة ، راقب عمال النظافة ، انظر لطلاب المدارس ، تفحص وجوه اصحاب المحال التجارية ، ساعد مسناً ، اعطف على مسكيناً ، ادخل المخابز الصغيرة في الأحياء ، اشتري حاجاتك اليومية من محلات البقالة ، شارك في احتفالات الشوارع ، راقب الصخب ، تجنب المهاترات ، ابحث عن ايامهم القومية وشاركهم فرحتهم .
كن سائحاً بالمعنى الحرفي للكلمة ، جرب ان تذوب بين سكان كل مدينة وبلدة ، أن تتيه بين شوارعها وحوانيتها ، ان تنظر خلف أسراب السياح وبين صفوف أهل البلد .
عندها فقط ستعود محملاً بأفراحهم وذكريات احزانهم ، عندها فقط تستطيع ان تقول لقد زرت هذا البلد .
تستطيع وبكل جداره أن تقول نعم ، أنا اعرف هذا البلد .