مقالات سياسية

سيناريوهات محتملة في الشرق الأوسط الصعب بعد عام 2023

علي الخشيبان

العام 2023 لم يكن سهلاً في أحداثه على الشرق الأوسط، بل إنه مرشح ليكون علامة فارقة في تاريخ المنطقة، ومن أبرز أحداث 2023 اندلاع الحرب في السودان وهجوم إسرائيل على قطاع غزة، بجانب كوارث طبيعية مدمرة حدثت في المغرب وليبيا وسورية وتركيا، ولكن نهاية 2023 أثبتت أن الهجوم الإسرائيلي على غزة طرح مؤشرات التحول العالمي نحو نظام جديد أصبح يلوح في الأفق قريبا من وجه الغرب الذي يقف أمام تحديات أخلاقية بدعمه غير المفهوم لقتل المدنيين في غزة، حيث شهدنا المواقف المضطربة وغير المتأكدة في تحديد الموقف السياسي للعالم الغربي.

ومع ذلك فهذه النتيجة ليست مفاجئة، فالمنطقة بطبيعتها الجيوسياسية دائما تواجه حالات مماثلة، والسبب الذي يعرفه الجميع هو طبيعة المنطقة وتأثيراتها السياسية والاقتصادية على العالم أجمع، فبعد أحداث السابع من أكتوبر بدت إسرائيل التي تمثل الغرب في المنطقة أكثر عدوانية ضد الفلسطينيين وخاصة في تدمير البشر والأرض على حد سواء، فعدد القتلى في أحداث غزة يقترب من الثلاثين ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وبظاهرة سياسية غير مفهومة يتم دائما الترويج بأن الشرق الأوسط منطقة تفتقد إلى الحقوق والحريات والازدهار! لذلك فهي منطقة حروب، بينما الحقيقة أن تلك نتيجة مفتعلة لتخلق في المنطقة قابلية لوضعها الدائم، والحقيقة الراسخة أن الغرب لكي يحافظ على هذه النظرة فهو يتحسس وبشكل كبير من المشروعات التنموية أو السياسية التي يمكنها أن تحقق الازدهار للمنطقة.

الغرب يدرك أنه يواجه خيارات صعبة في الشرق الأوسط، والخيار الذي يسعى الغرب إلى تثبيته في المنطقة هو نقل خيارات العام 2023 ومحاولة تكرارها في العام 2024، والسبب كله يدور حول سد أي ثغرات يمكن أن تظهر كمؤشرات على تشكل محتمل لنظام عالمي جديد يغير من معادلة القوة في العالم، الغرب يدرك أن أزمات الشرق الأوسط هي في حقيقتها مبررات مؤكدة لبقائه متواجداً في ذات الساحة التي وجد فيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تاريخيا استخدمت أميركا نموذج مراقبة دفاعية في المنطقة على مدى السنوات الماضية ولكن هذا النموذج فشل في العراق وأفغانستان وسورية وليبيا والسودان اليوم، لقد ثبت هذا النموذج أنه لم ينجح لمعالجة مظالم وتطلعات منطقة الشرق الأوسط.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة وفقا للمعادلة الغربية وتفسيراتها مرشح أن يستمر لفترات أطول مع إمكانية التوسع الإقليمي، ومن الطبيعي أنه كلما طالت مدة الحرب كانت احتمالية التحولات في المشهد أقرب، المقلق أن تستميل هذه الأزمة انخراط دول مختلفة قوية وضعيفة في المنطقة، والسؤال هنا يدور حول كيفية كبح الانحدار إلى الفوضى، وخاصة أن المنطقة تتوافر فيها دول ليس لديها شيء تخسره سياسيا أو اقتصاديا؛ وفي المقابل هناك دول تحاول وتسعى أن تعبر بنموذج دول الشرق الأوسط نحو مرحلة الازدهار والتنمية.

السيناريوهات المحتلمة في المنطقة ستضع الكثير من الخطط السياسية التي تحاول تدارك الأزمات موضع الشك، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأدوات السياسية التقليدية التي كانت تستخدم في معالجة أزمات المنطقة المتراكمة سوف تفقد في مياه مجهولة من التحركات السياسية المضادة التي سوف تنتشر بين القوى المناصرة لضرورة الحديث عن نظام عالمي جديد يسمح بتعدد القوى ويعيد فرض النظام العالمي بشكل يحقق الاستقرار والسلام الدولي.

السيناريوهات القابلة للتطور في المنطقة كثيرة وهي سيناريوهات ذات علاقة مباشرة بتحولات النظام العالمي وما فعلته جنوب إفريقيا بتحديها النظام الغربي عبر رفعها قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل يرسخ فكرة أن العالم أصبح لديه قابلية لمناقشة النظام العالمي بوضوح، هذا الاتجاه من التطورات الدولية لديه قابلية عالية بتدخل غربي معاكس ومباشر في أزمات الشرق الأوسط قد يصل للمشاركة العسكرية، وهذا ما سوف يدفع ويسرّع من التدخلات الدولية ليدفع بها نحو اتجاهات أخرى.

الشرق الأوسط منطقة حساسة في تركيبة النظام الدولي وهو منطقة غير قابلة للطي السياسي، وهناك مؤشرات واضحة لانحياز متزايد بين دول كبرى ذات تأثير دولي نحو حقوق المنطقة المشروعة مثل الصين وروسيا، وقد عكست التحولات الجذرية للغرب وتحول الاهتمام من حرب أوكرانيا إلى أزمة غزة وجود مؤشرات جيوسياسية خطيرة، السيناريو الأكثر إقلاقاً للغرب أن تنتشر في المنطقة ظاهرة خروج دول الشرق الأوسط المؤثرة من الحلبة السياسية الغربية والتراجع عن دعم الحلول الغربية، مما يعني أنها ستواجه التحديات لوحدها دون مساعدة من حلفاء أو أصدقاء؛ ولعل أولى هذه الدول إسرائيل التي باتت تتصرف بعيداً عن التوجهات الغربية عندما يتعلق الأمر بطموحات قادتها السياسية.

نقلا عن الرياض

زر الذهاب إلى الأعلى