شهداء الإرهاب والتحالف الإسلامي
مفتاح شعيب
يأتي اجتماع وزراء دفاع التحالف الإسلامي في الرياض اليوم في ظرف دقيق للغاية بالنظر إلى حجم المخاطر الإرهابية التي تحيق بالعالم وبلاد المسلمين خاصة، بعدما طلعت من بين ظهرانيهم فئات ضالة استباحت الأوطان والأعراض والحرمات، وسفكت دماء عشرات آلاف الأبرياء في مختلف البلدان الإسلامية.
يجتمع الوزراء ومصر يعتصرها الألم من الحادث الإرهابي المشين بالمجزرة التي ضربت مسجد «الروضة» بالعريش، وبعد ثمان وأربعين ساعة من الفعلة الشنعاء مازال الشهداء من بين عشرات الجرحى يلتحقون بمن سبقوهم في مسرح الجريمة حتى تجاوز عددهم الثلاثمئة شهيد. والأفظع من الفقد حالة الصدمة التي اعترت المصريين وأشقاءهم العرب والمسلمين، إذ كيف يتم استهداف مئات الراكعين لله في أحد المساجد العامرة، وفي يوم مبارك كالجمعة؟. ومهما تكون عبارات السلوان فقد لا تكفي لاستيعاب ما حدث، فالمصاب جلل والكارثة التي حلت بقرية «بئر العبد» لن تمحى من ذاكرة تلك القرية ولن تنساه أجيالها المقبلة، إذ أبيدت عائلات بأكملها من الجدود إلى الأحفاد، واستشهد عشرات الأطفال ممن صحبوا ذويهم لأداء الصلاة الجامعة. ولأنها كارثة تفوق الوصف، ستكون مثالاً حياً على الإرهاب الغاشم. ومن دماء ضحاياها يجب أن يستمد العزم لتصعيد الحرب بمختلف إجراءاتها، والمسؤولية التاريخية تستوجب تسمية الأشياء بأسمائها وفضح المساهمين قولاً وفعلاً وتمويلاً وتحريضا في نشأة هذه الظاهرة المدمرة.
في وقت يفترض أن تكون الحملة الدولية قد حققت بعضاً من أهدافها، مازالت التهديدات تحيق بأكثر من مكان. وما حدث في مصر الجمعة مؤشر خطر على أن المخطط مستمر وقد يضرب دولاً أخرى تظن أنها في مأمن، وهو شيء معلوم سلفاً، ولكن المشكلة تكمن في كيفية التوقي منه. فقبل الجريمة المروعة في مسجد «الروضة» بالعريش، حذرت الاستخبارات المصرية من استهداف دور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس، وكانت لديها معلومات، واتخذت الإجراءات المطلوبة، بيد أن الإرهاب الغادر، الذي يعمل بعقيدة الذئاب، يختار ضحاياه على الأطراف وفي الأماكن الأقل تغطية أمنية.
بقدر ما كانت الجريمة بشعة ومدانة، فهي مقدمة لتكون حافزاً للتحالف الإسلامي في اجتماعه الأول لاتخاذ ما يلزم من إجراءات وتنسيق لاجتثاث الظاهرة الخبيثة، فالتحالف الذي يتشكل من إحدى وأربعين دولة يمتلك إمكانات جبارة، سياسية وعسكرية وفكرية وإعلامية، بإمكانها أن تفعل الكثير وتوجه الضربة الحاسمة لجميع التنظيمات الإرهابية، وتستطيع أن تلاحق كل المتواطئين والممولين، لأنها معركة مصير مشترك، ووقفة من أجل المستقبل، ومن أجل الأمن والتنمية والسلام.
من أسمى الخدمات التي سيقدمها هذا التحالف الواسع، تنزيه الإسلام الحنيف من جميع الشوائب التي ألحقها به الإرهابيون والمغرضون، فهذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين، لم يسمح لأي كان باستباحة دماء الأبرياء وترويع الآمنين، وقيمه الخالدة لم تحث على الفتنة والقتل، بل حببت في التسامح والاعتدال. ومع الأسف أن هذا الإرث النير، قد تم تشويهه في العقود الأخيرة، وحانت اللحظة التاريخية للتصحيح وإظهار الحق. فما ارتكبه الإرهاب في مسيرته الدامية، لم يترك مجالاً للصبر على هذا الشر الكبير، ولذلك لم يعد مسموحاً بأي خيار على العمل على ضرب الإرهاب وفق خطط استراتيجية متكاملة، يفترض أن تشكل منعرجاً إلى الأفضل، ليس بالنسبة إلى العالم الإسلامي فحسب، وإنما للإسلام نفسه.
chouaibmeftah@gmail.com