شيء من تاريخ الخبز

يوسف أبو لوز
يربط علماء الاجتماع أو المهتمون بالأنثروبولوجيا بين تاريخ الخبز، وتاريخ الجوع، بل، وأيضاً تاريخ الملح، فمن الماء والقمح والملح عرف الإنسان الخبز قبل أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، وتذكر بعض المصادر أن المصريين هم أول من صنع الخبز في القرن الثالث قبل الميلاد، واكتشفوا الخميرة الضرورية في صناعة الخبز منذ 12 ألف عام.
للخبز حضور ثقافي.. اجتماعي شعبي وديني عند كل شعوب العالم وفي كل حضاراته وثقافاته، ومن يتناول «الخبز والملح» أي الطعام عند شخص أياً كانت ديانته أو عقيدته يفترض به أن لا يخونه أو يغدر به، وفي ذلك ذروة أخوية الإنسان للإنسان.
للخبز حضور آخر في الآداب والفنون، وروايات الجوع أوالمجاعات إن جازت العبارة تقوم على الخبز، وتشير بعض الرسوم إلى طبقات من الخبز مرسومة على جدران مقبرة رمسيس الثالث في وادي الملوك، وأنجز الرسام السويسري جيوفاني جياكوميثي لوحة سماها «الخبز» (الموسوعة الحرة)، وعرف الوسط التشكيلي قديماً لوحة «خبز التمر» لفنان مصري رسمها في العام 1878، ويروى عن الملكة ماري انطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر أنها شاهدت أهل باريس وهم يخرجون مطالبين بتوفير الخبز وكان ذلك في العام 1789، فقالت عبارتها الشهيرة المتداولة حتى اليوم.. «..ولماذا لا يأكلون البسكويت..»..
كان الخبز، ولا يزال سبباً في اندلاع الكثير من ثورات العالم، ففي العام 1984 قاد الطلبة (أو التلاميذ) في المغرب انتفاضة سميت انتفاضة الخبز، بل أطلق عليها أيضاً «انتفاضة التلاميذ»، و«انتفاضة الجوع»، وقبل ذلك، وفي العام 1977 عمت الكثير من المدن المصرية احتجاجات عارمة ضد ارتفاع سعر الخبز، بل كان الخبز أيضاً أحد أسباب اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، وفي العام 1984 اندلعت في الجنوب التونسي انتفاضة الخبز.
يشير تاريخ الجوع إلى أن أقدم مجاعة شهدها العالم كانت في 441 قبل الميلاد في روما القديمة، وفي القرن العشرين اجتاحت روسيا مجاعة عام 1921، وما من مكان في العالم إلا وشهد مجاعة أو عرف الجوع من أوروبا إلى إفريقيا إلى آسيا، غير أن الخبز ليس وحده سبب هذه المجاعات وقد لا يكون سبباً لها أصلاً، فهناك الحروب والكوارث، والجفاف وغيرها من أحداث تكمن وراء المجاعات.
عرف الإنسان الجوع عندما تخلى عن القمح وزمن الحرث والحصاد.. كان آنذاك شَبعاً ممتلئاً بكرامة الأرض والزرع، وأكثر من ذلك كان آدمياً في تعامله مع الطبيعة والحجر والشجرة، وعندما خرج من فلاّحيته وريفيته، وغرق في الفساد.. فسد معه كل شيء حتى الملح.
بعض البلدان العربية ترفع سعر الخبز أو ما يسمى رفع الدعم عن هذه المادة الشعبية الإنسانية التاريخية، ولكن هذه البلدان في الوقت نفسه لا ترفع (سعر) كرامة الإنسان، ولو بالحدود الدنيا.. وكل رغيف وأنتم بخير.
yabolouz@gmail.com