صفقة القرن أم صفعته؟
د. عبدالله السويجي
صفقة القرن المزمع طرحها من قبل الإدارة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» باتت على كل لسان قبل الإعلان الرسمي عن بنودها، وتختلف التسريبات بشأنها إلا أنها تصب في خانة واحدة تتحدث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وسيطرة كاملة ل«إسرائيل» على الأجواء والموانئ والممرات، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال. فقد ذكر أحد المواقع الإلكترونية البريطانية بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أن فريقاً أمريكياً بصدد وضع اللمسات الأخيرة على «الاتفاق النهائي» الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين و«إسرائيل» والذي يعرف ب«صفقة القرن». ويتضمن الاتفاق إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ، وب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية. وتوفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية، بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة. وضع القدس وقضية عودة اللاجئين سيؤجلان لمفاوضات لاحقة. ومفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين «إسرائيل» والدول العربية.
وعلّق الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حينها: «إذا كانت الخطة تنص بوضوح على أن الصفقة النهائية «هي إقامة دولة فلسطينية»على أساس حدود عام 1967 بمبادلة طفيفة للأراضي، فإننا سنقبل المرحلة الأولى منها، وإقامة دولة ذات حدود مؤقتة». بينما قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، رداً على التقرير إن «أمريكا تبحث عن الحل بالطريقة «الإسرائيلية»، ونحن جوعنا ليس جوع طعام وإنما جوع حرية وكرامة، وبالتالي فإن المسافات واسعة وبعيدة، فأمريكا هي الكفيلة باستمرار لقوة «إسرائيل»، التي تعتبرها محطة متقدمة للاستعمار القديم».
بعد أقل من شهرين كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات تفاصيل أخرى عن «صفقة القرن» وقدم تقريره في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني الماضي، وجاء فيه أن «صفقة القرن» تشمل الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، وإنشاء عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس، والإعلان خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد حد، عن موافقة إدارة الرئيس ترامب على ضم الكتل الاستيطانية، والإعلان بعدها عن «مفهوم أمني مُشترك لدولة «إسرائيل» ودولة فلسطين كشركاء في السلام». ويشمل هذا المفهوم، أربع نقاط، وهي أن دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية، ووجود قوات «إسرائيلية» على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، وذلك لحماية الدولتين، وتنص الصفقة على انسحاب القوات «الإسرائيلية»، وإعادة تموضعها تدريجياً، خارج عدد من المناطق في الضفة الغربية، واعتراف دول العالم، بدولة «إسرائيل» كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، وتقوم «إسرائيل»، بضمان حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليا، وتقوم أيضاً بتخصيص أجزاء من ميناءي أسدود وحيفا، ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد «إسرائيل»، وإيجاد ممر آمن بين الضفة وقطاع غزة تحت سيادة «إسرائيل». وتكون المعابر الدولية بمشاركة فلسطينية فاعلة وصلاحيات الأمن القصوى بيد «إسرائيل». أما المياه الإقليمية، والأجواء، والموجات الكهرومغناطيسية، فتكون تحت سيطرة «إسرائيل»، دون الإجحاف بحاجات دولة فلسطين. ومن بين البنود أيضاً إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين.
يقول صائب عريقات: «علينا عدم انتظار قيام واشنطن بطرح معالم ومضمون هذه الصفقة التصفوية الإملائية، التي تُبقي الوضع القائم على ما هو عليه، والذي يعني دولة واحدة بنظامين، أي تشريع الأبرتهايد (نظام الفصل العنصري) والاستيطان بمعايير أمريكية، من خلال حكم ذاتي أبدي».
لم نقرأ تعليقات عربية على التسريبات المتعلقة بالصفقة رغم إشارتها إلى عدد منها، المسؤولون الفلسطينيون وحدهم ردوا عليها قبل ولادتها بشكل رسمي، بسبب خطورتها، ويبدو أنهم يستشعرون قرب الإعلان عنها بقوة دفع عالية، ولهذا السبب كشف صائب عريقات عن مضمونها وتفصيلاتها في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني قبل شهرين تقريبا، وحذّر من الموافقة عليها، ولكن هل يستطيع الفلسطينيون مواجهتها وحدهم في ظل القبول العربي (إن وجد)؟. عباس زكي قال قبل أيام على إحدى الشاشات إن الفلسطينيين هم الرقم الصعب رغم شعور الآخرين بضعفهم، ففي اللحظة المناسبة يمكنهم اتخاذ قرارات تقلب الطاولة على الجميع.
صفقة القرن ليست صفقة خيالية حتى يتجاهلها العرب، وإنما تقع ضمن أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويبدو أنه بدأ بتنفيذها دون مشورة الأطراف المعنية ولصالح «إسرائيل»، فقام بالاعتراف بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال، وعلى الرغم من رفض العواصم العربية، أحياناً على استحياء، إلا أن رفضهم لن يغيرّ من الواقع شيئا، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية أن نقل السفارة سيتم خلال ثلاثة أشهر، ما جعل الفلسطينيين ينتفضون مرة ثانية وسط صمت عربي رسمي. فهل سيتم تنفيذ الصفقة من دون الإعلان عنها؟ يبدو أن ذلك سيكون وارداً في ظل الصمت والعجز، وانشغال الفلسطينيين بانقساماتهم، والعرب بصراعاتهم الداخلية والخارجية، ويبقى القرار الرئيسي بيد الفلسطينيين، الذي يجب أن يكون عاجلاً، لأن العجلة (الترامبية) تدور بقوة، خاصة أنه سيفرغ من مشكلته مع كوريا الشمالية، وسيتفرغ في الفترة القادمة للاتفاق النووي مع إيران بعد أن يكون قد قطع شوطاً في الضغط على الفلسطينيين والعرب لتنفيذ «صفقة القرن» بهدوء.
suwaiji@emirates.net.ae