غير مصنفة

«صفقة القرن» المستحيلة

عوني فرسخ

يعتزم الرئيس الأمريكي ترامب إعلان ما يسمى «صفقة القرن» لحل الصراع العربي – الصهيوني بتصفية القضية الفلسطينية، والسؤال الذي تستدعيه صفقة الرئيس ترامب: هل تعبر عن طموح واقعي في ضوء الظروف العربية الراهنة، أم هي أمنية رغائبية مستحيلة التحقق عملياً كما يستقرأ من تاريخ الصراع العربي – الصهيوني؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال المحوري نذكّر بالحقائق التالية:
1 – طرحت إدارة الرئيس آيزنهاور ما بين 1949 – 1954 عدة مشروعات لتوطين اللاجئين، آخرها مشروع جونستون الذي انتهى للفشل منتصف العام 1954 بفعل الإجماع الفلسطيني على التحرير والعودة.
2 – لدى استقبال الرئيس الراحل عبدالناصر في مايو/أيار 1953 وزير الخارجية الأمريكي دالاس، أوضح له أن «إسرائيل» احتلت معظم أرض فلسطين، وحولت أصحابها الأصليين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وتشكل تهديداً خطيراً لدول المشرق العربي. ولم يكن عبدالناصر مستعداً لقبول الأمر الواقع، وربط الاعتراف ب«إسرائيل» مقابل تنفيذها قراري الأمم المتحدة رقم 181 بالانسحاب لحدود التقسيم مع إعادة النقب للعرب وفقاً لاقتراح الكونت برنادوت، الوسيط الدولي الذي اغتاله الصهاينة، وتنفذ القرار 194 بعودة اللاجئين لديارهم واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم مقابل معاناتهم. ولم يكن يرى أن حل الصراع يتطلب مفاوضات، لأن الحل موجود في قرارات الأمم المتحدة.
3 – بعد مقابلة عبدالناصر ذهب دالاس للقدس المحتلة حيث قابل رئيس الوزراء «الإسرائيلي» موشيه شاريت، ولدى مراجعته في موضوع التسوية نقل عنه قوله: إن أصدقاء «إسرائيل» لا يجوز لهم أن يطلبوا منها العودة لحدود التقسيم، لأن ذلك انتحار. ولا أن يطلبوا منها إعادة لاجئين لأن ذلك أشبه بالانتحار. ولا أن يطلبوا منها دفع تعويضات عن أملاك اللاجئين لأن ما لديها من المال لا يكاد يكفي احتياجاتها. والثابت أنه لم يكن لدى مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري «الإسرائيلي» الاستعداد للتسوية على أساس قراري الأمم المتحدة رقم 181 بالتقسيم و194 بعودة اللاجئين.
4 – في 23-11-1967 أصدر مجلس الأمن بالإجماع القرار 242 المؤسس على مشروع المندوب البريطاني كارادون، المتضمن النص على أ- عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب. ب- انسحاب القوات «الإسرائيلية» من أراض احتلتها في النزاع الأخير. ج- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وكان وزير الخارجية المصري محمود رياض قد اعترض على استخدام كلمة «أراض» وليس «الأراضي» فأوضح له كارادون أن الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة وارد في مقدمة القرار بالنص على عدم شرعية حيازة الأراضي عن طريق الحرب. وهذا ما أكده مندوبو فرنسا والهند والبرازيل في مجلس الأمن. وبرغم انقضاء نصف قرن على قرارات مجلس الأمن لم تنسحب «إسرائيل» من متر مربع واحد من الأرض العربية المحتلة.
5 – أصدر مجلس الأمن في 25-9-1971 القرار 298 ضد ضم «إسرائيل» للقدس الشرقية، واعتبار كل ما أصدرته سلطة الاحتلال من قرارات تشريعية وتنظيمات إدارية لتغيير واقع مدينة القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات، ونقل السكان لاغية كلياً وكأنها لم تكن.
6 – في يوليو/تموز 2000، وفي منتجع كامب ديفيد، رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات تقديم التنازلات التي طالبه بها الرئيس كلينتون خاصة في موضوعي: القدس وحق العودة. ولم تلبث «إسرائيل» أن فرضت الحصار على مقره في مبنى المقاطعة في رام الله، بعد تدميرها المقر الرئاسي والمطار في قطاع غزة، واعتبرت عرفات غير ذي صلة.
7 – يبلغ الفلسطينيون في الوقت الحاضر في الوطن المحتل والشتات العربي والدولي 12 مليوناً، اللاجئون من بينهم 7.32 مليون. حقهم في العودة مؤسس على قرارات الأمم المتحدة، فالذين لم يفرط آباؤهم بحق العودة سنة 1949 هل يفرط به الأحفاد سنة 2017، فضلاً عن أن اللاجئين في لبنان قرابة نصف مليون، والتفريط بحق عودتهم يخل بالتركيبة السكانية اللبنانية، ما يضاعف الآثار السلبية للتفريط بحق العودة.
8 – رغم ما يبدو من تقدم العمل باغتصاب وتهويد كامل القدس، واتساع دائرة المفرطين والمطبعين على الصعيد العربي العام والفلسطيني الخاص، فإنه من الواضح بجلاء تام أن إرادة الصامدين في فلسطين، خاصة في القدس المحتلة، لم تزل عصية على الاستلاب. والمثال الأخير هبة القدس شيباً وشباناً، رجالاً ونساء، مسلمين ومسيحيين التي أجبرت نتنياهو على تفكيك البوابات الإلكترونية التي نصبها على مداخل الحرم القدسي للتحكم بدخول المصلين للمسجد الأقصى.
ومما سبق يمكن القول إن «صفقة القرن» للرئيس ترامب أقرب إلى الأمنية الرغائبية المستحيلة التحقق عملياً منها إلى الطموح الواقعي.

admin@afcocpa.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى