«صفقة القرن» وتواطؤ النخب الفلسطينية
عوني صادق
تحديد موعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعني أن موعد وضع خطته موضع التنفيذ الفعلي يقترب، وسواء جاءت تحت اسم «صفقة القرن»، وبتأييد بعض العرب وبعض الفلسطينيين، أو جاءت إجراءات أمريكية أحادية، يبقى الغرض منها فرض ما سمّاه البعض «حل القوة»، وشطب القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع. وإذا نظرنا إلى المواقف، التي تتخذها السلطة الفلسطينية، والتي تتخذها الفصائل الفلسطينية الأخرى، فإننا لا نجد موقفاً يمكن أن نسميه «جاداً» يقترب من خطورة المرحلة وما يخطط لتنفيذه؛ بل كل ما نجده هو ما يمكن تسميته «هزليات جادة»، بمعنى هزليات يراد لها أن تبدو جادة ولا تبدو كذلك، وآخرها دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد في نهاية إبريل/نيسان المقبل!!
توقف أحد الزملاء أمام مواقف «النخبة السياسية الفلسطينية»، فرأى أنها «تفتقد الشجاعة الأخلاقية»؛ لأنها لم تصارح شعبها بالجواب عن سؤال بدا له «مصيرياً» في اللحظة الراهنة وهو: ما السلطة الفلسطينية؟ ورأى أنها «تواطأت معها، صراحة أو ضمناً، في مسرحية «القبعات الثلاث»! وأضاف:«فعندما كانت تريد (سلطة أوسلو) أن تصفي حساباتها مع حركة «حماس»، تضع على رأسها قبعة «فتح»!، وحين تضيق بها الدنيا ويتخلى عنها الرعاة الإقليميون والدوليون، تضع قبعة «منظمة التحرير»، فتنضوي تحت عباءتها كل قيادات التنظيمات، متغنين بكذبة «الوحدة الوطنية» وأكذوبة«المؤسسات الجامعة»لهذا الشعب المغدور…»!
ومع صحة ما ذهب إليه الزميل، إلا أنه لا بد من الإشارة في ما يخص «المؤسسات الجامعة»، أن هذه المؤسسات كلها فاقدة للشرعية والصلاحية منذ سنوات طويلة، وهي ميتة عملياً، ومحاولة إحيائها «عند اللزوم» هو في حد ذاته عمل غير شرعي أو مشروع يراد به التضليل وتمرير ما تعرف السلطة الفلسطينية والفصائل أنه كذلك، وهو بهذا المعنى استمرار للتواطؤ، الذي اتفق الجميع عليه! والدعوة إلى عقد المجلس الوطني في هذه الظروف هو أكثر من عملية تواطؤ أقرب إلى المؤامرة، خصوصاً أنه سبق للمجلس المركزي أن عقد اجتماعاته أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة، واتخذ قرارات لم ينفذ منها أي شيء، وفي مقدمتها سحب الاعتراف ب«دولة إسرائيل»ووقف العمل باتفاق «التنسيق الأمني» مع العدو «الإسرائيلي».
وحتى لا تكون الحقيقة ناقصة، لا بد أن يقال إن التواطؤ ليس فقط من جانب «النخبة السياسية» الفلسطينية؛ بل من جانب كل «النخب» المجتمعية الفلسطينية، الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وكمثال على ذلك، نجد من يريد أن يقول إن دعوة عقد المجلس في الظروف الحالية لن تكون مجدية؛ لكنه يقولها بطريقة ملتوية، فيضع «أسساً» لعقده يعرف أنها مستحيلة، كقوله: على هذه الدورة «أن تقر من الإجراءات والبرامج والوسائل والنهج ما يقود تنفيذها فعلاً للخروج من حالة السبات، التي تعيشها معظم مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني»!
لم تكن المشكلة يوماً في عدم تطبيق «اتفاق أوسلو»، كما يقول أنصار الاتفاق؛ بل المشكلة كانت ولا تزال في الاتفاق وتطبيقه. فهذا الاتفاق لم يأت ليعترف بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني؛ بل لإلغاء هذه الحقوق. والقبول به كان حتماً سيوصل إلى ما وصلت الأوضاع الحالية إليه. والسؤال في ضوء ذلك هو: هل يمكن أن يطلق على تحركات السلطة الفلسطينية في ضوء الخضوع ل(أوسلو)، ومواقف الفصائل الممتنعة والمترددة بالذات التي قبلته على نحو أو آخر وتعاملت مع السلطة التي انبثقت عنه، وتنظيرات المثقفين و«أصحاب الرأي» الذين التحقوا بهذه السلطة تحت ادعاءات مختلفة والمتدخلين اليوم في الموضوع، غير تعبير «هزليات جادة»؟! وطبعاً لا يقصد بهذا أنها جادة فعلاً؛ بل هي هزليات تريد أن تبدو جادة، ومن الصعب جداً أن تكون!
awni.sadiq@hotmail.com