صندوق الرؤية التقني
عبدالله الردادي
أعلن «ماسايوشي سون» المالك والمدير التنفيذي لشركة «سوفت بانك» اليابانية قبل عدة أيام عن تأسيس مشروع للاستثمار في التقنية بقيمة 100 مليار دولار أطلق عليه اسم «صندوق الرؤية». ماسايوشي سبق وأعلن عن هذا المشروع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أما الآن فقد صرح بأن المبلغ المطلوب لهذا المشروع قد اكتمل وأن باب الاستثمار في الصندوق قد أغلق. هذا المبلغ يعد الأضخم في التاريخ لمشروع بمثل هذا النوع.
وتشارك عدة جهات استثمارية في هذا المشروع بخلاف شركة «سوفت بانك» للاتصالات والتي مولت المشروع بقيمة 28 مليار دولار. فالداعم الأكبر لهذا المشروع هو صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وقد استثمر ما يقارب 45 مليار دولار تقدم على مدى خمس سنوات. كذلك قامت الشركة الإماراتية «مبادلة» باستثمار 15 مليار دولار. إضافة إلى عدة شركات مثل شركني «أبل» و«كوالكم» الأميركية، و«فوكسكن» التايوانية، و«شارب» اليابانية. يعنى هذا المشروع بعدة استثمارات في القطاع التقني ويمتد مجاله الزمني من 5 سنوات كحد أدنى وحتى 14 عاماً. من ضمن هذه المشاريع البحث في مجال الذكاء الصناعي وفي تطوير صناعة الرجل الآلي. وصرح ماسايوشي بأنه يؤمن بأن الرجل الآلي سيكون أكثر ذكاء من متوسط الذكاء البشري خلال الثلاثين عاماً المقبلة.
عرف عن ماسايوشي بأنه دائماً ما يراهن على مشاريعه بأعلى المبالغ، وهو الذي عرف بنفسه بأنه ملياردير مجنون مهووس بالاستثمار في التقنية. ماسايوشي ليس بحديث عهد بالتقنية، فقد كان من أوائل المستثمرين في شركة «ياهو» وعاصر السوق التقنية بحلوها ومرها خلال العشرين عاما الماضية. فقد خسر ما يقارب 99 في المائة من ثروته خلال أزمة «دوت كوم» بداية الألفية، إلا أنه استعاد هذه الثروة بخبرته خلال عدة سنوات. ويعد موقع «علي بابا» الصيني أكبر نجاحات الملياردير الياباني. فقد استثمر في هذا الموقع ما لا يزيد عن 20 مليون دولار، وتربو الآن قيمة هذا الموقع على 90 مليار دولار. وينظر بعض المحللين إلى هذا المشروع على أنه مخاطرة كبيرة بمبلغ فلكي، مبررين هذه الخطورة بضعف خبرة ماسايوشي في البحث والتطوير في مجال التقنية. وقد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، إلا أن وجود شركات مشاركة لها باع طويل في التطوير التقني مثل «أبل» و«شارب» و«كوالكم» قد يدحض هذه التبريرات. فعلى الرغم من أن حصة «سوفت بانك» المالية أكبر من حصص هذه الشركات التقنية، فإن خبرة هذه الشركات لها قيمة عالية في هذا المشروع.
وعلى الجانب التمويلي، يستثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي مبلغاً ضخماً في هذا المشروع، ويبدو التأثير السعودي واضحاً على هذا المشروع خاصة بتسميته بـ«صندوق الرؤية» تيمناً بمشروع الرؤية 2030. وعلى الرغم من أن الحصة السعودية هي الأعلى في هذا المشروع، فإن «سوفت بانك» يتحمل الجزء الأكبر من الخطورة، ذلك بأن السعودية سوف تضخ هذا المبلغ على مدى خمس سنوات، أما «سوفت بانك» فسيضخ كامل المبلغ خلال السنة الأولى. وقد برر البعض بأن التمويل السعودي على مدى خمس سنوات لم يكن لمجرد البعد عن الخطر المادي. فجزء كبير من المفاوضات قبل بداية المشروع كانت حول المساهمة السعودية في اتخاذ القرار لهذا المشروع، وعن امتلاكها لحق الفيتو في التصويت للمشاريع المقامة. وتضاربت تصريحات المسؤولين في «سوفت بانك» حول هذه المعلومة. إلا أن التمويل على مدى خمس سنوات، قد يعطي السعودية القوة اللازمة للتأثير على اتخاذ القرار في هذه المشاريع. وتنظر المملكة إلى هذا المشروع نظرة أبعد من العائد المادي وأوسع من مجرد تعدد مصادر للدخل. فامتلاك استثمار ضخم قد يسيطر على الاستثمار التقني حول العالم له أبعاد استراتيجية أهم بكثير من الأبعاد المالية. وهذا ما يدركه أيضاً ماسايوشي والذي صرح بأن هدفه أن تكون شركة «سوفت بانك» أكبر شركة في العالم.
ويتضح من خلال استثماراتهما مؤخراً، بأن المملكة و«سوفت بانك» لهما نفس التوجه الاستثماري. بخلاف الاستثمار في المشترك في صندوق الرؤية، فقد استثمرا في البنية التحتية الأميركية بمبالغ ضخمة بلغت أكثر من 95 مليار دولار. كما استثمرا أيضاً في شركة «أوبر»، حيث بلغ استثمار المملكة ما يقارب 3.5 مليار دولار بينما ضخ ماسايوشي ما يقارب 100 مليون دولار في شركة أوبر البرازيلية، وهو الذي استثمر أيضاً في شركة «ديدي» والتي تماثل «أوبر» في الصين بمبلغ يقارب 5 مليارات دولار. كما يتضح أيضاً أن الجهتين تمتلكان تفكيراً استثمارياً متشابهاً يعتمد على الاستثمار بمبالغ ضخمة وفي عدة قطاعات استثمارية يغلب على أكثرها الاستثمارات طويلة الأمد.