صورة أمريكا في الأمم المتحدة
محمود الريماوي
لم يحمل تعيين المتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية هيذر نويرت في الأمم المتحدة، مفاجأة كبيرة، فقد ظل اسمها يتردد لهذا المنصب، منذ أعلنت نيكي هايلي استقالتها من هذا المنصب، وخروجها منه مع نهاية العام الجاري. وحتى لو حمل الأمر مفاجأة ما، فقد دأب الرئيس دونالد ترامب على مفاجأة الأمريكيين بقرارات التعيين والعزل. وقد ترافق الإعلان بتعيين نويرت مع ملاسنة بين ترامب ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون الذي كان تعيينه في منصبه مفاجئاً، وهو القادم من عالم شركات النفط، وليس من الإدارة أو عالم الدبلوماسية، وإن كانت إقالته في 13 مارس/ آذار الماضي لم تكن مفاجئة.
والمندوبة الجديدة نويرت (48 عاماً) هي بدورها حديثة العهد بالإدارة، فقد مضى على تعيينها في الخارجية عشرون شهراً فقط، منها تعيينها في مطلع مارس الماضي قائماً بأعمال نائب وزير الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة، خلفاً لستيفن غولدشتاين المقال مع وزيره تيلرسون. وخبرتها الأساسية تكمن في عالم الصحافة والتلفزيون؛ إذ عملت لنحو 18 عاماً مراسلة ومذيعة في محطة «فوكس نيوز» المقربة من المحافظين في الحزب الجمهوري وخارج الحزب.
ومن المفارقات أن تقريب شخصية تلفزيونية مثلها يتم في وقت يشن فيها الرئيس ترامب حملات دورية على الصحافة، ومن ذلك طرده قبل أسابيع لمندوب محطة «السي إن إن»، قبل أن يعود إلى عمله في البيت الأبيض بحكمٍ قضائي..
والمشكلة التي تبدت مع المندوبة السابقة هايلي، أنها وهي تمثل إدارة بلادها في المنظمة الدولية، لم تكن تتردد في إبداء الازدراء للأمم المتحدة (تصريحاتها مثلاً حول استخدام حذائها ذي الكعب العالي ضد مندوبي الدول الذين قد ينتقدون سياسات تل أبيب)، وهو ما يعكس تفكير الإدارة نفسها، وخاصة لدى الرئيس ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو ما يسيء لصورة الدولة العظمى التي يُفترض أن تبدي كل الحرص على المنظمة الدولية؛ باعتبارها بيت الأمم ومنصة رئيسية للتعاون الدولي. وقد أنهت هايلي فترتها بفشل يُحسب على الإدارة، وذلك بتقديم قرار للجمعية العامة ضد حركة حماس، وبغير إدراك أن القرار لن يلقى قبولاً.
بحكم عملها الإعلامي ثم ناطقة باسم الخارجية، لم يعرف عن المندوبة الجديدة نويرت مواقف خاصة بها، باستثناء قربها من الجمهوريين وعموم المحافظين. وقد يكون الفارق الأول الملموس بينها وبين المندوبة السابقة أنها على الصعيد الشخصي أكثر كياسة، وتسبقها ابتسامتها دائماً، خلافاً لهايلي التي تبدو على الدوام متأهبة لشجارٍ ما، مع أشخاص حقيقيين أو أشباح، وبطبيعة الحال فإن هذا الانطباع عنها غير كافٍ، فالأمر هنا لا يتعلق بدبلوماسية علاقات عامة، بل بمنصب سياسي حساس ذي أهمية بالغة.
والآن وبحُكم أن المناصب العليا في الإدارة باتت قلقة، وتتسم بكثرة الإقالات والاستقالات، ومحكومة بنظرة الرئيس ترامب لأصحاب هذه المواقع، ومدى انسجامه أو عدم انسجامه معهم، فإن على المراقبين متابعة انطباعات الرئيس نفسه عن المندوبة، وكذلك مدى التفاهم بينها وبين كبير المستشارين في البيت الأبيض جون بولتون؛ حيث يعتبر موقع السفير في الأمم المتحدة جزءاً من نطاق صلاحيات مجلس الأمن القومي. ويزيد في حساسية الوضع، أن الولايات المتحدة في خلاف متصاعد مع روسيا (آخره حول معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في العام 1987)، والخلافات المتعددة مع أوروبا، والتحديات الماثلة في الشرق الأوسط، والتي لا تقتصر على إيران، بل تشمل التسوية الشرق أوسطية المعطلة، وخاصة بعد أن جنحت الإدارة لاتخاذ مواقف حملت شططاً كبيراً كالتسليم بتسمية الاحتلال للقدس عاصمة له، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
ورغم ذلك فإن أوساط حكومة بنيامين نتنياهو شرعت في إبداء توجسها من «ضغوط» قد تحملها صفقة ترامب المسماة «صفقة القرن» على تل أبيب!. علاوة على مواقف أمريكية سابقة سوف تحمل المندوبة الجديدة إرثها، مواقف اتسمت بالنشوز مثل الانسحاب من منظمة اليونيسكو، ووقف المساهمة في تمويل وكالة الأونروا.. والوكالة والمنظمة هما هيئتان دوليتان منبثقتان من الأمم المتحدة، بما يدلل على تعامل أمريكي ممعن في السلبية مع المنظمة الدولية، ومما يبث رسالة سيئة إلى بقية دول العالم مفادها أنه يمكن لمن يشاء عدم التعاون، وحتى عدم التعامل مع الأمم المتحدة وقراراتها ومنظماتها!.
mdrimawi@yahoo.com