مقالات عامة

صيّادو الشاشات الصغيرة

خيري منصور

لو كان الروائي جبرا إبراهيم جبرا حياً لاستأذنته في تحوير إحدى رواياته التي كتبها بالإنجليزية بعنوان: «صيادون في شارع ضيق»، لتصبح «صيادو الشاشات الصغيرة»، وفي الحالتين ليس هناك ماء؛ بل هو سراب يخدع الظامئين، ويستدرجهم ليعودوا أشد ظمأ مما كانوا.
وهذا النمط من الصيد الإعلامي وبالتحديد الفضائي يتطلب من الصياد أن يغمض إحدى عينيه وهو يصوب على الفريسة، لهذا يسقط الجانب الآخر من المشهد وتصبح الرؤية عوراء!
والإعلام بمعناه الدقيق مشتق من العلم حين يتولاه ويتولى الإبلاغ بواسطته أناس لهم من ساعي البريد القديم أمانته، ومن الحمام الزاجل براءته؛ بحيث لا يذهب بالرسالة إلى غير المرسل إليه، ولا يقضم شيئاً منها حتى لو جاع في الطريق.
ويروى عن إعلامي ضل الطريق وخان الأمانة المهنية أنه كان يتقاضى من دولة ما ثمن مديحه لها ودفاعه حتى عن أخطائها، وحين أوقفت عنه العلف، طالبها بدفع ثمن صمته كي لا يهجوها.
وقد تكون هذه الواقعة صحيحة أو متخيلة؛ لكنها في الحالتين تصور الجانب المضاد والسلبي لمهنة البحث عن الحقائق وليس المتاعب فقط كما يقال!
وقد يكون التصيد أيضاً في ماء عكر وليس في السراب فقط، وبالتالي يصبح الإعلامي قناصاً، يستخدم الكلمة بدلاً من الرصاصة، وهناك من يصبح مأجوراً لأداء مثل هذه المهمات. وما كتبه باتريك سيل البريطاني الضليع بالشجون العربية تحت عنوان «بندقية للإيجار» يصبح قلماً للإيجار أو أية وسيلة أخرى تنوب عن القلم في هذا المجال!
إن الإعلام الذي بدأ مسيساً ثم أصبح مؤدلجاً انتهى إلى أن يكون مدججاً بقاموس من مفردات الهجاء والتجريم، وقد لا يَرِفُّ لمن يمارسه جفن وهو يجازف بالتخوين الذي يصل إلى هدر الكرامة والدم معاً!
لم تنفع حتى الآن مواثيق الشرق سواء كانت شفوية أو مدونة، فالحكاية من أولها إلى آخرها حكاية ضمير أخلاقي بقدر ما هو وطني ومهني!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى