طريق الـ «بريكست»
صادق ناشر
صوتت الحكومة البريطانية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعدما أقرت في جلسة لها الأربعاء مسودة الاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون البريطانيون والأوروبيون، شهدت الكثير من الجدل والانقسام، حتى في أوساط الحكومة نفسها، بلغت ذروتها في إعلان خمسة وزراء استقالاتهم من الحكومة، من بينهم وزير الدولة لشؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي، دومينيك راب، الذي أكد أن مسودة الاتفاق «تترك بريطانيا في منتصف الطريق من دون سقف زمني يحدد متى سنصبح في النهاية دولة كاملة السيادة»، كما اعتبر مراقبون هذه الاستقالات بمثابة نكسة شديدة للحكومة التي قاومت وتقاوم الضغوط لإنجاز مهمة الخروج في أسرع وقت وبأي ثمن.
لعل أكبر الفائزين في معركة «بريكست» رئيسة الوزراء تيريزا ماي، المتحمسة لخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، مستندة في ذلك إلى نتائج الاستفتاء على الخروج قبل عامين، وإن بنسبة ضئيلة، إلا أنها لن تنجو من تداعيات هذا القرار الذي أصبح عبئاً ثقيلاً على البريطانيين، لما كان يشكله الاتحاد من حزام اقتصادي وسياسي لبريطانيا طوال بقائها عضواً فيه لمدة 46 عاماً.
تفاخرت ماي بأنها أنجزت واحدة من أهم المحطات في حياتها السياسية، مشيرة إلى أنه بتأييد الحكومة مسودة الاتفاق ضمنت أفضل اتفاق ممكن لبريطانيا، لأنه، حسب تعبيرها، «يحترم تصويت الشعب البريطاني»، خاصة أنه طوى صفحة مفاوضات معقدة ومريرة استمرت عاماً ونصف العام، بهدف إنهاء العضوية، وهي خطوة قسمت البريطانيين بين مؤيد ومعارض للاتفاق، أو حسب ما وصفه جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال المعارض، بالسيئ ولا يخدم المصلحة الوطنية، معتبراً أنه «سيترك البلاد بين انسحاب ولا انسحاب، إلى ما لا نهاية»، فيما ووجه الاتفاق بالرفض من قبل العديد من الشخصيات الفاعلة في المشهد البريطاني، من بينهم رئيس الوزراء السابق توني بلير، الذي أكد أن «بريطانيا تخسر صوتها في بروكسل من دون الحصول على مقابل يذكر»، بل وصف الأمر بأن ما حدث ويحدث مجرد تسوية بل هو استسلام.
الاتحاد الأوروبي، استسلم بدوره لخيار الخروج، بعد آمال تعززت خلال الأشهر القليلة الماضية لمعارضته، خاصة بعد ارتفاع الأصوات المنادية بإعادة الاستفتاء، حيث أكد رئيس مجلس الاتحاد دونالد تاسك، أن اجتماعاً استثنائياً سيعقد قبل نهاية الشهر الجاري لإقرار الشروط النهائية لمغادرة بريطانيا الاتحاد.
وسيكون على بريطانيا والاتحاد الأوروبي التكيف مع خيار الخروج في المستقبل، الذي من شأنه أن يحقق منافع ويلحق بالوقت نفسه الضرر بمصالح الجانبين، خاصة ما يتصل بحرية تحرك الأفراد داخل القارة الأوروبية عبر تأشيرات تمنح لمواطني الجانبين، وقوانين الهجرة والجمارك، إضافة إلى قضية الحدود الصارمة مع إيرلندا الشمالية، التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الملفات التي يبدو أنها ستحتاج وقتاً طويلاً لتجاوز آثارها الاقتصادية والسياسية معاً.
sadeqnasher8@gmail.com