عبدالعزيز السيف.. التعلم بالممارسة
الكتابة عمن سبقونا وعاشوا في ظروف مختلفة تستحق إلقاء الضوء عليها لما تتضمنه من دروس وعبر في العصامية ومواجهة الصعاب والتعلم واكتساب الثقة في سن مبكرة من خلال الممارسة.
من هذا المنظور أستأذن القراء في الكتابة عن أحد أقربائي الذي انتقل إلى رحمة الله هذا الشهر هو عبدالعزيز بن إبراهيم السيف -يرحمه الله-، ولعل القراء يشاركونني الرأي بأن التجارب الحياتية لمن سبقونا ومسيرتهم في الحياة العملية هي صفحة في موسوعة الوطن فهي تاريخ لمراحل مختلفة في منظومة التنمية كانت بمثابة المدرسة التي تعلم فيها أبناء الوطن واكتسبوا فيها الثقة بالنفس والقدرة على العمل والتحمل، قد يبدو الموضوع شأنا خاصا لكنه حقيقة يجمع بين الخاص والعام لأن سيرة الأفراد هي سيرة الوطن وما مر به من تطور في كافة المجالات بفضل الله ثم القيادة السياسية المخلصة التي استثمرت مقدرات الوطن في التنمية الشاملة.
المرحوم بإذن الله (أبو إبراهيم) نشأ في مكة المكرمة وتخرج من مدرسة الرحمانية، كان لوالده دكان في الصفا قرب الحرم وكان يعتني بوالده منذ صغره، كان يقوم بتوصيله للدكان والبقاء معه وإعادته إلى البيت بسبب مرضه وعدم القدرة على المشي. قام بهذه المهمة وهو في سن الثانية عشرة مستخدما العربية الخاصة بهذه الحالات، هذه العربية كانت بالصدفة مصدرا للرزق، حيث أتت حاجة كبيرة في السن ولا تستطيع السعي فعلمت عن العربية المذكورة فقام أبو إبراهيم بمساعدتها بالعربية وبعد نهاية سعيها أعطته هدية 4 قروش فرفضها لكنها أصرت، وبعدها استمر بتقديم هذه الخدمة بعد توصيل والده للمحل.
تعلم تحمل المسؤولية منذ صغره قبل أن يبدأ مسيرته الوظيفية المتنوعة حين انتقل إلى جدة. بدأ هذه المسيرة بالعمل في اللاسلكي والبرقيات ثم عمل في وظائف مختلفة مثل أرامكو والسكة الحديد بالدمام، والخطوط السعودية كمضيف، وفي المالية حيث كان يصرف مرتبات المجاهدين على الحدود الشمالية بعد أن ينقلها بالسيارة عن طريق البر.
تميزت حياته بالكفاح وتحمل الأعمال الصعبة مثل سائق شاحنة مع بعثات الاستكشاف في البر في أرامكو، وكذلك تجهيز وجبات الطعام أثناء عمله في السكة الحديد، كما قام أثناء عمله بوزارة المالية بمهام صعبة انتدبه من أجلها وزير المالية منها على سبيل المثال انتدابه إلى جازان بسبب تضرر مواطنين من آثار الأمطار وجريان الوديان، ونجح في هذه المهام وتم تكريمه واعطاؤه شهادة شكر. هذه الأعمال الصعبة تعلم منها الكثير وأصبح لديه القدرة على التحمل لدرجة أنه لا يذهب للمستشفيات إلا في الحالات الصعبة، أما الحالات العادية فهو يعالج نفسه ويعتمد على خبرته في كثير من الأمور مثل صيانة البيت وصيانة السيارة والطبخ وخاصة في البر الذي يعشقه كثيرا.
اتسمت شخصية (أبي إبراهيم) بروح الصداقة فقد كان اجتماعيا يحسن التعامل مع الناس وهذه صفه ساعدته في النجاح في المسيرة المهنية وفي حياته الاجتماعية، كان كريما وبيته مفتوح للأقارب والأصدقاء، كان من جيل صلب قادر على التحمل والتكيف للظروف المختلفة، جيل لا يعرف سائق العائلة ولا العاملة المنزلية، جيل يتعلم في المدرسة التقليدية وفي مدرسة الحياة ويقوم بمسؤولياته التربوية بمبدأ القدوة. أثمرت هذه التربية بمشاركة زوجته الرائعة (أم إبراهيم) جيلا من الأبناء والبنات والأحفاد الذين شقوا طريقهم بنجاح في دروب الحياة المختلفة وفي ظروف حياتية مختلفة تعكس التطور المذهل الذي وصلت إليه المملكة في مسيرة التنمية الشاملة.
رحم الله أبا ابراهيم وغفر له وأسكنه فسيح جناته..
نقلاً عن “الرياض“