عبدالله عمران

د. حسن مدن
لم يحدث أن أتيت الإمارات بعد أن غادرتها منهياً سنوات عشراً من العمل والإقامة في عاصمتها الثقافية الغالية على قلبي، إمارة الشارقة، إلا والتقيت الدكتور عبدالله عمران في مكتبه بـ «دار الخليج». ويظل حاضراً في بالي دائماً الود والبشاشة اللذان بهما يستقبلني، والأحاديث الشائقة معه، وهو رجل الصحافة والدولة في آن، كونه شيّد مع شقيقه المرحوم تريم عمران واحدة من أهم المؤسسات الصحفية والإعلامية في دولة الإمارات، هي «دار الخليج»، وكونه أحد من ساهموا في وضع مداميك دولة الاتحاد هو الذي أدار فيها، بصفته وزيراً، أكثر من وزارة، قبل أن يتفرّغ للعمل الإعلامي.
عبدالله عمران، وشقيقه تريم، كانا من أبناء الرعيل العصامي الأول في الإمارات، الذين حرصوا على تعليم أنفسهم، وتطوير ملكاتهم، وحين تأسست دولة الإمارات بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانوا سبّاقين في العمل في مؤسسات الدولة الفتية، في مواقع مختلفة، فكرّسوا معارفهم وطاقاتهم في خدمتها ووضع لبنات عمرانها الذي بلغ اليوم ما بلغ.
الأحاديث مع عبدالله عمران كانت تطوافاً لا في عالم الصحافة والكتابة وحدهما، وإنما في أحوال المنطقة وأحوالنا العربية عامة، هو الذي حرص على أن تظل «الخليج» مرآة ومنبراً لقضايانا الوطنية والقومية، وهو في حديثه لا ينطلق من الإلمام بما يجري في عالمنا العربي فحسب، وإنما أيضاً من رؤية سديدة وواثقة بأنه مهما تكالبت المحن على هذه الأمة، فإن الأمل في نهضة قادمة يظل حاضراً.
وكان شائقاً أيضاً الاستماع من الدكتور عبدالله عن ذكرياته والخبرات التي تراكمت لديه من حياته المهنية والإدارية الطويلة، وكم المعلومات التي أضاءت لي زوايا كنت أجهلها، وما زالت ذاكرتي ملأى بالكثير منها.
ولا يصح الحديث، بالنسبة لي، عن الدكتور عبدالله دون الوقوف أمام ما تحلّى به من خلق إنساني رفيع، وحدث خلال سنوات كتابتي الطويلة في «الخليج» التي فاقت، حتى اليوم، العشرين عاماً أن ألمّت بي عوارض صحية، أو بعض المتاعب، أو فقدت أحداً من أقاربي، فكان الدكتور عبدالله حريصاً على مهاتفتي للاطمئنان على صحتي أو مواساتي ومعرفة أخباري، فوجدت فيه الإنسان والأستاذ والأخ الكبير الذي كان دائم الثناء والتشجيع لي فيما أكتب.
حين قرأت ما كتبه ابنه الأخ العزيز خالد عبدالله عمران في الذكرى السنوية الرابعة لرحيل والده، يوم أمس، استعدت هذه المحطات من علاقتي مع الراحل الكبير، واستذكرت الخسارة الكبيرة التي منيت بها «الخليج» برحيله المفاجئ الذي باغت المشاعر المطمئنة في نفوس عائلته وأصدقائه وزملائه إلى وجوده في قلب المشهد الإعلامي والثقافي في دولة الإمارات.
رحم الله عبدالله عمران الذي تظل ذكراه حاضرة وملهمة للعاملين في «الخليج» وفي الصحافة لا في الإمارات وحدها، وإنما في المنطقة كلها، دروساً وعبرة.
madanbahrain@gmail.com