عرب أمريكا …..هل تعنيهم القضايا العربية…؟
بقلم. جمال الأسود
قرابة نصف عرب أمريكا حاصلون على تعليم جيد، ودرجات علمية أعلى، مقارنة بحوالي 30 % من الأمريكيين غير العرب، وهم بذلك يحصلون على أجور مرتفعة، وتشير بعض الإحصائيات أن متوسط دخل الأسرة الأمريكية من أصل عربي يبلغ أكثر من 59 ألف دولار أمريكي، وفي خلال عقود يشارك المنحدرون من أصول عربية في الحياة السياسية الأمريكية، و هناك عددًا من العرب الأمريكيين المُعينين في مناصب مرموقة في المجتمع من مؤيدي الحزب الجمهوري، رغم أحداث العشريات الأخيرة التي غالبا ما تجعل الجاليات العربية تصوت لصالح الحزب الديمقراطي، ويزيد عدد عرب أمريكا على ثلاثة ملايين نسمة، وحسب الإحصائيات الرسمية فإن سوريا ولبنان هما أكبر مصدر للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الرقم لا يشمل الوافدين الجدد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إذ أن هؤلاء الملايين الثلاثة ذابوا بالمجمل في المجتمع الأمريكي حسب تعليق داوود خير الله رئيس اللجنة السياسية في الجمعية العربية – الأمريكية لمقاومة التمييز، بينما يُعرف عن الوافدين الجدد الحركة والحماس، والنشاط الجمعوي الثقافي والسياسي رغم أن الكثيرين منهم مازالوا يحملون مشاكل الدول التي جاءوا منها، ومساندة إنتماءاتهم الإيديولوجية الأصلية بما فيها من مواقف سياسية، كقضية العرب الأولى فلسطين، وسواء كان عرب أمريكا من الذائبين في المجتمع الأمريكي أو من الوافدين الجدد فإن عدم تحمس نخبهم للقيادة وانعدام الرؤية والأهداف، وانشغالهم بحياتهم اليومية، واصطفافهم خلف هيئات وجمعيات أخرى ذات طابع اجتماعي وثقافي و اقتصادي، وقلة عددهم أيضا مقارنة بعدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، أدى كل ذلك إلى تأثيرهم المحدود سواء في الإنتخابات الأمريكية أو في توجهات السياسة الأمريكية، أو حتى تأثيرهم في الشارع الأمريكي، ولكل هذه الأسباب وغيرها فإن عرب أمريكا لا يملكون مشروع واضح يمكن تبنيه للتسويق للقضايا العربية، بينما المجموعات اليهودية الصهيونية على العكس من ذلك تمتاز بالتكتل ووضوح الأهداف، وبالإضافة الى ذلك فإن الأجيال التي ولدت بالولايات المتحدة الأمريكية لا تعلم عن الواقع العربي إلا القليل، ولا تعرف عن القضية الفلسطينية إلا عنوانها، وهي أجيال موجهة في الغالب من الإعلام المحلي الأمريكي الذي تتحكم فيه اللوبيات الصهيونية، والقليل جدا من عرب أمريكا من يعي فضاعة التزوير الذي يمارسه الإعلام الأمريكي في تصوير الواقع العربي، ويجعل غير الواعين منهم يخجلون من الإنتماء للبلاد العربية، وفي هذا الفضاء الذي يدفع الى فقدان الهوية لا أحد يجرؤ على الدفاع عن العرب و قضاياهم إلا في حدود ضيقة، وإذا كانت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى فإن الجاليات العربية قبل قيام المشروع اليهودي على أرض فلسطين كانت لها جمعيات ذات أهداف أدبية وفنية ومدنية، ومنتديات محلية وأخرى مرتبطة بالكنائس، بينما كانت تعتقد الجاليات العربية وكثير من الأمريكيين بعد قيام اسرائيل أن هذه الدويلة ظاهرة مؤقتة، ثم صارت الجاليات اليهودية أكثر جرأة في التعبير عن مواقفها بعد هزيمة 1967، ورغم قيام كثير من الجمعيات منذ ذلك الوقت إلى اليوم بنشاط تنويري نحو القضايا العربية إلا أن تأثيرها في الشارع الأمريكي أو السياسة الأمريكية تجاه العرب بقي محدودا، حيث الإنحياز الأمريكي لإسرائيل جعل أمن هذا الكيان دعامة أساسية من دعامات الأمن القومي الأمريكي، إذ صار ذريعة لدى سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تداول السلطة بين الديمقراطيين و الجمهوريين، ما جعل نُخب عرب أمريكا يدركون أن كل المبادرات حول فلسطين أو حول التقارب العربي الأمريكي لا طائل من ورائها في ظل الأمن القومي الأمريكي المرتبط باسرائيل، مع غياب الدعم من قبل النُخب و الرسميين العرب الذين يتعاملون مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأساليب لا تخلو من الحذر والإرتياب، ورجل من طينة دونالد ترامب لايميز بين مستشاريه لا يمكن أن يعول عليه أصدقائه من العرب أو حتى عرب أمريكا أنفسهم في حلحلة أي قضية من قضايا العرب، فما بالك بالقضية الفلسطينية.