عزمي بشارة راسبوتين الدوحة
هناك فلسطيني من عرب إسرائيل اسمه «عزمي بشارة» يحمل الجنسية الإسرائيلية، يعمل في قطر وله من النفوذ والقوة والسطوة هناك ما ليس لأحد غيره من الوافدين والمواطنين القطريين، حتى أن أحد المثقفين السعوديين أطلق عليه من باب السخرية والتندر «راسبوتين» الدوحة، أسوة براسبوتين الشخصية النافذة داخل القصر إبان حكم القياصرة في روسيا، في نهايات القرن التاسع عشر والذي كان له نفوذ وتحكم بقرارات القيصر وزوجته لم يصل إليه أحد قبله، الأمر الذي اضطر القيصر في نهاية الأمر لاغتياله والتخلص منه.
عزمي بشارة هو راسبوتين الدوحة، الذي يُنظر لأمير قطر ووالده، ويزين لهما القرارات الجامحة، بل والمجنونة، والتي جعلتهما يصلان، هو ومن ثم ولده تميم، إلى هذه الأزمة التي يتخبطون فيها، ولا يدرون كيف يخرجون منها، وهي تضيق على أعناقهم يوما بعد يوم. استغل راسبوتين الدوحة ما لاحظه على أمير قطر من طموح وحب للشهرة وأن يكون شيئاً مذكوراً في التاريخ، تماماً كما كان القذافي يرغب أن يكون له المكانة نفسها، رغم أن بلده وقيمتها الجيوسياسية، وكذلك جذورها التاريخية، ومكانتها السياسية الحالية، لا تؤهله ليكون له قيمة تذكر في تاريخ القيادات الإنسانية. استغل عزمي بشارة هذه النزعة المريضة في شخصية حمد، ورغبته أولاً في الاستفادة المالية، وثانياً في خلق آلية يتمكن من خلالها من (شفط) ما يمكن من الثروات التي كان ينفقها حمد بلا حساب، أنشأ ما سماه (أكاديمية التغيير)، ولكي يعطي جزءاً من الغنيمة للقرضاوي النافذ في أروقة القصر الحاكم كي يمرر له مشاريعه التدميرية الثورية، عين «هشام» زوج ابنة القرضاوي مديراً لهذه الأكاديمية، وبدأت هذه (الشلة) باستقبال الشباب العربي من كل حدب وصوب، وأقاموا لهم الندوات والمحاضرات، وعلموهم التجمعات الحزبية، وكيف يقيمون المظاهرات والاعتصامات وهز الأمن والاستقرار في بلدانهم، كي يصلوا إلى هدف التثوير والتغيير الذي يسعون إليه. هذه الأكاديمية كان لها دور فعال من وراء الكواليس في أحداث ما يسمى الربيع العربي، وبالذات في مصر، حيث تولى شباب ممن أشرف على تثويرهم راسبوتين الدوحة، قيادة المظاهرات وأحداث الشغب في الثورة المصرية، التي أسقطت مبارك من كرسيه.
قبل أمس، وبشكل مفاجئ، أعلن عزمي بشارة انسحابه من قطر، وتفرغه للكتابة والتأليف كما جاء في تغريدة له. مثل هذا القرار إما أنه تكتيكي، لامتصاص الضغوط على الدوحة، أو أنه ناتج عن صراع بين الأب والابن، وكان ثمنه إخراج راسبوتين الدوحة خارج الدولة، والتخلص من المشاريع المجنونة، التي أقنع بها عزمي بشارة الأمير الأب، فكان تصحيح المسار للخروج من الأزمة يقتضي أن يطرد هذا الرجل إلى حيث أتى. لا أدري على وجه التحديد أي الاحتمالين الأقرب إلى الواقع، إلا أنه من الثابت أن هناك انشقاقات بين أجنحة الأسرة الحاكمة، التي يكتظ تاريخها بالكثير من الخلافات والانشقاقات بل والانقلابات.
وعلى العموم فإن هذه الأزمة المشتعلة بين قطر والدول الخليجية الثلاث، لا بد وأن تنتهي إلى وضع جديد، هو بالتأكيد لن يكون كالوضع السياسي القطري، الذي امتد من 1995 وحتى الآن.
* نقلاً عن “الجزيرة”