عطر «أبو حامد الغزالي»
يوسف أبو لوز
يبني الكاتب المغربي عبد الإله بن عرفة روايته «طواسين الغزالي» على حياة وشخصية ومكابدات أكثر الشخصيات الخطرة في تاريخ الثقافة العربية حجة الإسلام «أبو حامد الغزالي» الذي انعقد لسانه عن الكلام في مرحلة من مراحل مكابداته الوجودية، وهذا البناء الروائي يتشابه إلى حدّ التطابق مع بناء رواية «موت صغير» للكاتب السعودي محمد حسن علوان التي قامت هي الأخرى على شخصية ومكابدات المتصوف الكبير محيي الدين بن عربي، ومن القواسم المشتركة بين الغزالي وابن عربي وجودياً وحياتياً وروائياً:.. الحب.
في نيسابور يخطف الحب قلب الغزالي عندما رأى فتاة فائقة الجمال اسمها «الطاهرة» وهو لقبها، أما اسمها الحقيقي فهو «حوّاء» التي تدفعه إلى فك لغز الصندوق والخزانة والخاتم، وتلاعبه الشطرنج، فتغلبه، فيمتلئ بالتحدي أو بشيء من الغيظ، ولكنه الحب، وفي الرواية.. «.. إن أجمل ما في الحب هو أنه يجعلك شجاعاً، فتكسب الحب وتكسب الشجاعة، وتجود بروحك في سبيل مرضاة الحبيب..».
غير أن ذروة الرواية في رأيي الشخصي هي عندما فوجئ الغزالي بسؤال حوّاء له في ما إذا كان له عطر خاص؟ فيجيبها.. " لا يا سيدتي، ولعلّ عدد المرّات التي وضعت فيها عطراً في حياتي معدودة عدد أصابع يدي". وهنا تأخذ حواء زمام المبادرة وتشرح للغزالي أن العطر مثل الموسيقي له توقيعات وألحان، فيتعجب الغزالي من هذا العلم الرفيع الذي تمتلكه حوّاء فيسألها: هل للعطور حياة مثل ما لنا حياة؟ فتخبره أن العطر يمرّ في مراحل: الصبا، الشباب، الكهولة، الشيخوخة، وللعطر كما تقول حوّاء طبقات ثلاث هي: الرأس، القلب، اللحن، وتسهب في شرح خواص كل طبقة، والغزالي مبهوت، مذهول من علوم حواء وهو الفيلسوف والحكيم والشاعر وأول من فك طلاسم مثلثات الحروف، ولكل حروف قيمة عددية من خلالها استطاع أن يتوصل إلى سرّ الأسرار، ومع ذلك لم يكن يعرف شيئاً عن العطر.
.. ولكن، هل نعرف نحن اليوم الكثير عن تاريخ وثقافة وفلسفة العطر؟ ثم.. ما هو عطرك سيدي؟ سؤال إذا وجهته إلى ملايين الرجال فلن يعطيك اسماً محدداً لعطر محدد.. تماماً مثل «أبو حامد الغزالي»، غير أن الغزالي فيلسوف صوفي متقشف ترك الدنيا وما فيها وتبع نور قلبه، وفي فترة من حياته، ترك حوّاء وبناته، وكل حيلته في ترحاله عكاز وإبريق ماء وثياب مرقعة.
في تلك المحنة والمكابدات التي كوتْ الغزالي وهو مطارد وخائف من بطش أعدائه وخصومه وحساده.. لم تكن حوّاء تضع ولا نقطة عطر واحدة بانتظار رجل أقرب إلى الأسطورة.
yabolouz@gmail.com