عفرين.. العقدة والحل
نبيل سالم
تبدو الساحة السورية بتفاعلاتها الساخنة، وكأنها تولد عقدة من أخرى، وككرة نار تتنقل على اتساع الجغرافيا السورية، في مشهد يعكس حجم التناقضات الكبيرة بين مختلف الأطراف الفاعلة في هذه المنطقة الملتهبة، التي يبدو الصراع عليها، صراعاً على مكاسب جيوسياسية، وثروات واعدة، وهو أمر يساهم في الواقع ليس في تعقيد المشهد السياسي، وإنما في صعوبة الوصول إلى حلول مرضية لكل الأطراف القوية على الساحة السورية.
ومع أن كل منطقة شهدت صراعات في سوريا، عكست أجندات متعارضة بين الفرقاء واللاعبين الكثر، إلا أن الوضع الحالي في عفرين يمثل العقدة الأكبر، التي يعتقد البعض أنها إما أن تقود إلى استفحال الأزمة أكثر، أو أن تكون بداية لحل سياسي، يُرضي أو على الأقل يلحظ مصالح مختلف اللاعبين.
فرغم أن الوضع في عفرين معقد، ويمثل محوراً مهماً في الموقف التركي، إلا أن كل التحليلات السياسية، تقود إلى أن التركي تورط في حرب لا يستطيع حسمها عسكرياً بسهولة؛ فالجيش التركي لا يمكنه خوض حرب طويلة الأمد مع ما يُسمى «قوات الحماية الكردية»، لعوامل كثيرة منها؛ ما هو موضوعي بالنسبة لتركيا أو ذاتي أيضاً؛ ولذلك ورغم كل ما يطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تصريحات وتهديدات، إلا أنه يبدو من أكثر الناس الذين يبحثون عن حلول.
ومن يتابع الموقف وتطوراته في عفرين، يستطيع أن يلمس عدة أمور أهمها: أن الأكراد الذين جربوا الاعتماد على الولايات المتحدة في شمال العراق، قد يمثلون نموذجاً غير مرض بالنسبة لأكراد سوريا، وهو ما يفسر استنجاد «قوات الحماية الكردية» بالجيش السوري عندما باتت في مواجهة الآلة الحربية التركية، زد على ذلك أن الخلاف التركي – الأمريكي حول تصورات الحل في سوريا ومخاوف تركيا الأمنية والسياسية، تجعل من الصعوبة بمكان إيجاد تناغم تام بين واشنطن وأنقرة إزاء ما يجري في شمال سوريا.
كما أن الموقف الروسي من الأزمة يبدو كمن يحاول إمساك العصا من الوسط، فموسكو لا ترغب في خسارة علاقة جديدة مع أنفرة، بمقدار عدم رغبتها بالتفريط بتحالفها مع دمشق؛ ولذلك رأينا كيف أن الشرطة الروسية، التي كانت ترابط في عفرين انسحبت قبل الهجوم التركي على «قوات حماية الشعب» الكردية، كما أن إدخال قوات شعبية رديفة للجيش السوري، يعني رغبة في أن الأكراد السوريين لن يذهبوا بعيداً في الابتعاد عن دمشق، كما هي الحال بالنسبة للأكراد في شمال العراق، الذين وصلوا إلى حد طرح استفتاء على الانفصال، أو حتى الأكراد السوريين في شمال شرق سوريا، الذين ارتهنوا للأمريكيين.
وإذا أخذنا ما يجري في الغوطة الشرقية أيضاً، وإدانة مجلس الأمن الواضحة لعمليات القصف، التي يقوم بها المسلحون من الغوطة لدمشق، واستبعاد تنظيمي «النصرة» و«داعش» من الهدنة المطروحة في سوريا، يبدو واضحاً أن عمليات التصعيد الجارية سواء في شمال سوريا أو في الغوطة الشرقية، أو في بعض المناطق الجنوبية، قد تكون بداية لمرحلة جديدة في البحث عن حل سياسي لهذه الأزمة الخطرة، رغم كل مظاهر التصعيد هذه. إلا أنها قد تمضي نحو الحل، وإن كانت الكلفة قد تكون باهظة الثمن.
ومع أن معظم المراقبين والمتابعين للشأن السوري يتوقعون بداية قريبة لتسوية سياسية منتظرة، ألا أن أحداً لا ينكر أن هذه التسوية تحمل في طياتها ملامح تقاسم واضح للنفوذ في هذا البلد، على المدى المنظور على الأقل.
فالأمريكي يعلن صراحة رغبته بالاستمرار في شرق الفرات، ودعم قوات «قسد»، مع وجود بعض القوى الكردية، التي لا زالت تراهن على الدعم الأمريكي، أو «الإسرائيلي» لها، ولم تستفد من تجارب البرزاني في العراق، مقابل استمرار الدعم الروسي القوي لدمشق، وتوسيع الانتشار العسكري الروسي في مناطق أخرى خارج قاعدة حميميم، فيما يترك لتركيا ولو بشكل غير معلن حرية التدخل في شمال سوريا، وإقامة ما يمكن تسميته منطقة آمنة هناك.
ولعل هذا ما يفسر تصريحات العديد من المسؤولين الأكراد، حول إمكانية تنسيق سوري – تركي بشأن ما يجري في شمال سوريا، ناهيك طبعاً عن الموقف الإيراني، وحسابات طهران الخاصة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو إلى متى سيبقى هذا التفاهم غير المعلن بين هذه الأطراف؟، وما موقف الطرف الأهم في المعادلة وهو الشعب السوري، الذي سيجد نفسه في بلد شبه مقسم؟، وإن لم يعلن هذا التقسيم بشكل رسمي.
سؤال لا بد أن تجيب عنه الأيام القليلة القادمة الحبلى بالتطورات.
nabil_salem.1954@yahoo.com