مقالات عامة

على خطى كليلة

عبد اللطيف الزبيدي

قلت للقلم: هل لك في الجديديْن من جديد؟ لقد والله ضجرنا فأجِرْنا من براغيث واشنطن في جلابيبنا، وعربدة «تل أبيب» الممسكة بتلابيبنا. قال إن كنت تروم أن أحاكي الحكواتيّة وأهل الأمثولات، فعلتُ على ألاّ تقاطعني بتاتاً. قلت: ومتى كان العربيّ يعرف المقاطعة؟ لقد تركناها لأهل سويسرا، أمّا الأمّة فلديها قراءة خاصّة لذلك البلد الأوروبيّ، هو عندها «سُوّيَ سرّا».
قال: يحكى أن أحدهم كانت قامته ثلاثين متراً وما بين كتفيه ثمانية. قلت: ما هذا التفكّه بالهراء، أهو حوت واقف؟ حتى عمالقة الدناصير لم تبلغ علياء هامته. قال: ها أنت تقاطعني بغير علم. قلت: حلمك عليّ، فلن أعيدها. قال: وكانت عضلاته ترى الحديد هشّاً، وادّعاء صلابته غشّاً، ولو ضرب بجُمع يده جبلاً من الفولاذ لدكّه فاستحال هباء منثوراً، أو جُبناً مبشوراً. قلت: أراك تهذي، قل شيئاً يمكن تصديقه، ويصحّ في العقل تحقيقه. قال: ها أنت عدت إلى المقاطعة، فلن أظل ممنوعاً من الصرف. قلت: عفوك، فإنما عسر على دماغي الهضم ولن أعكّر صفوك. قال: وكان طعامه وشرابه ممّا يُحرق الناس من نفط وغاز، وجباته ملايين البراميل، والآلاف من مكعّبات الميل، فلا يشبع، ولا يرتوي أويقنع. ما لا يحصل عليه طوعاً، يأخذه اغتصاباً، مالئاً الدنيا رعباً وإرهابا. قلت: ما أتتنا الأخبار بأن آدميّاً يتغذى على الوقود، كأنما خلق كالجنّ من نار، أو انعدم المأكول من الوجود. عليك بقليل من المنطق، إن مخّي يُرهق. قال: إنّ صبري ينفد ويَنفق، فأنت في المقاطعة لا تترفق. قلت: خذ مني وعداً صادقاً صدوقاً، فكن شفيقاً شفوقاً.
قال: تانك القامة السامقة، والهامة الشاهقة، جعلتاه يرى الخلائق، لا تربطها به علائق، كأنها كائنات مجهريّاتٌ دقائق، ما يستعصى على الطحن كالدقيق، يريده خاضعاً طائعاً كالرقيق. اجتاح الأرض الإجحاف، وانعدم الإنصاف، وساءت النعوت والأوصاف، وأصبح العملاق وأمسى لا يعرف غير لغة العقاب، وقطع الرقاب، والبرايا خائفة راجفة كالعصفور بين مخالب العُقاب، وصار العالم كالغاب، فيه كل عدل غاب. فجأة قُرعت في الكواليس النواقيس، فإذا بالتنين هبّ، والدبّ دبّ، فصاح المظلومون: يا ربّ. انبريا له في الميدان، وكانا من قبل في عينه كالعيدان أو كالديدان، ما راعه إلاّ أن رأى انفضاض الناس من حوله، وأفول طوْله وحولِه. في لمح البصر غدت قامتا التنين والدبّ في مستوى كتفيه، فأدرك ما له وما عليه، ومن أبديّة الاستفراد بالكوكب غسل يديه. هذه قصة الراوي وما انتهى إليه. قلت: ألم تر كيف أنني نسيت المقاطعة؟ قال: إذا طلبت التنمية والقوّة فاذهب إلى الصين، وإن ابتغيت علم المقاطعة فعليك بسويسرا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكليليّة: لا تنتظر الديمقراطيّة من الفيل والحمار، فذاك بنابيْه وخرطومه وهذا برفسه.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى